منذ ثلاث سنوات كاملة حاولت من خلالها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب امتصاص الغضب الفلسطيني والعربي والإسلامي جراء قراره نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب على القدس، إلى ثلاثة أشهر فحسب، عادت أسطوانة السفارة الأمريكية مرشحة بقوة لتفجير القنابل الموقوتة في الشرق الأوسط أو لربما تسريع عداد توقيتها!
وزارة الخارجية الأمريكية التي سبق وقالت على لسان الوزير ريكس تيلرسون بأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس لن يتم قبل هذه السنوات التي يقتضيها اختيار المكان وتشييد البناء، هي نفسها التي أصدرت بيانًا تعرب فيه عن بهجتها بالنقل في أيار/ مايو القادم. وهو انقلاب أثار الكثير من التساؤلات والتفسيرات.
ثمة من يربط استعجال النقل بخطاب الرئيس محمود عباس في مجلس الأمن، ويرى أن الخطوة جاءت من باب الرد على قوله إن واشنطن لم تعد الوسيط المقبول في عملية المفاوضات. وثمة من قرأ القرار على أنه كان نتيجة لتمرير قرار الاعتراف بالقدس كعاصمة لـ(إسرائيل) بلا كلفة عربية أو إسلامية، بما شجع على تصعيد سياسة الاقتحام طالما أنها كانت بلا ثمن.
يروم البعض الاعتقاد بأن التوقيت جاء متعمدًا بحيث يستخدمه اللوبي الإسرائيلي في واشنطن كموضوع أساسي في عداد إنجازاته، عندما يعقد مؤتمره السنوي في شهر مارس الجاري. قد تكون هذه الاعتبارات لعبت دورها في التعجيل بهذا القرار. لكن يتبين أن العوامل الرئيسة التي حكمت صدوره تمثلت في إصرار القوى المناصرة لـ(إسرائيل) في واشنطن، وعلى رأسها اللوبي الإسرائيلي، أن يجرى النقل بالتزامن مع الذكرى السبعين لإنشاء (إسرائيل) في منتصف مايو/ أيار المقبل. كما أن قوى يهودية أميركية نافذة مثل الملياردير شالدون أدلسون، لعبت الدور الرئيس في دفع النقل إلى هذا التاريخ من خلال استعداده للتبرع بتمويل الانتقال إلى السفارة الجديدة.
يضاف إلى العوامل المتقدمة سعي أنصار الاحتلال الإسرائيلي إلى البت بالنقل مبكرًا قبل أن تتمخض التحقيقات الروسية المتسارعة عن تطور نوعي قد يجمّد البت بكافة الاهتمامات، ومنها نقل السفارة. وبغض النظر عن قرار التسريع بنقل السفارة الأمريكية فإنه ما كان ليتم لولا توافر خميرته في تركيبة هذه الإدارة، واحتضانها المطلق لسياسات الاحتلال الإسرائيلي التي عزمت منذ البداية على إنهاء أية مفاوضات يمكن أن تؤدي إلى صيغة الدولتين التي لم تلتزم بها إدارة ترامب أصلًا.
كما ساهم "الصمت العربي" الرسمي المطبق عن إدانة قرار النقل بما يتضمنه من رمزية خطيرة في إطار استرضاء واشنطن في اقتناع الإدارة الأمريكية بإمكانية تمرير القرار دون أن يكون له تبعات مكلفة ليبقى "الفلسطيني" وحيدًا في مواجهة التغول الأمريكي- الإسرائيلي المتزايد في ظل انصراف الجميع عن دعم الفلسطينيين ولو "بشق تمرة"!
لحظة الاستضعاف العربي والفلسطيني ما تزال في بداياتها. والآتي أعظم عندما يتطور هذا التماهي إلى حدوده المكشوفة، بحيث يتحول التفهم الرسمي العربي إلى شكل من أشكال التحالف، من دون أي حساب لاحتلال كامل فلسطين ومصادرة حقوق شعبها ومقدساتها.
الغريب في هذا التطور، أن يقبل وزير الخارجية الأميركي ويتراجع عن تطميناته بشأن توقيت نقل السفارة المؤجل، لتعلن وزارته عن النقل المستعجل الذي جرى اتخاذ قراره دون موافقة وزارته كما بدا حينها، لتقدم الخارجية الأمريكية وربانها "تيلرسون" قرار تسريع النقل "قربانًا" لرأس الهرم السياسي في البيت الأبيض خوفًا من قرار متسرع وطائش جديد بعزله.
ما يمكن تأكيده في هذا السياق أن احتمالات تفجير الأوضاع في الشرق الأوسط وهي الأوضاع المتأزمة والمحتقنة أصلًا، تزداد وربما بات الجميع في الشرق الأوسط يعون أن الانفجار قادم لا محالة، فها هي مصر تضرب موعدًا في شهر مايو لإتمام عملية سيناء الأمنية، وها هي تركيا تريد إنهاء عملية غصن الزيتون في ذات الشهر، وحتى ترامب نفسه يود إنهاء الخصومة مع "سمين كوريا" صاحب الأزرار النووية في شهر مايو، فيما يتواصل الحج إلى واشنطن من قبل زعماء عرب ويكتمل مع حلول الشهر نفسه.
فهل يكون نقل السفارة الشرارة التي تشعل الحريق الأكبر في برميل بارود اسمه "الشرق الأوسط"؟