فلسطين أون لاين

طمعًا في "شهادة اليد".. كتبت القرآن بـ"خطٍ سئ"

...
غزة - يحيى اليعقوبي

كان كل ما توقعته حينما دُعيت لحضور حفل تكريم في جامعة الأقصى أن تحصل على شهادة شكر من الجامعة بعدما كتبت القرآن الكريم بالخط العربي بشكل يدوي على مدار عامين ونصف، "اليوم سيُقام حفل تكريم.. هناك مقعد محجوز لك" قالها لها أحد أساتذتها.

كان السفير القطري محمد العمادي بين الشخصيات المدعوة لهذا الحفل، عريف الاحتفال ينادي.. "الآن مع تكريم مميز للطالبة الأولى على كلية الإعلام فداء عبيد والكاتبة للقرآن الكريم"، العمادي مخاطبا العريف: "وقف المايك شوي بدنا نحكي معها كلمتين".

العمادي يسأل فداء "كيف كتبتيه؟" أجابته "لأني حافظة لكتاب الله"، نظر إلى المصحف الذي خطّته بيدها بعد أن قلب بعض صفحاته وقال لها "خط جميل، قديش أخد وقت معك؟"، أخبرته أنها أنجزته خلال عامين، ثم اتبع كلامه "سأعطيك ألف دولار" تفاجأت فداء بالهدية، لكن لم ينته بعد من كلامه: "كوني السفير القطري، أول مرة أطلب هدية من شخص.. أطلب المصحف هدية منك".. تشاورت فداء مع نفسها لعدة ثوانٍ وأهدته المصحف، فزاد من قيمة هديته قائلا: "بما أنك أهديتيني هذه النسخة، سأهديك خمسة آلاف دولار".

عامان و82 قلمًا

تعيش ذلك المشهد مرة أخرى وهي تتحدّث لـ"فلسطين"، قائلة: "تفاجأت من تلك المكافأة، لأني شعرت أن هناك من يهتم بالموهبة، كوني كذلك فتاة فشعرت بتقدير واحترام المرأة".

الطالبة عبيد درست الصحافة والإعلام في جامعة الأقصى، وكانت الأولى على كليتها، وحاليا تدرس درجة الماجستير في نفس التخصص، وهي حافظة لكتاب الله بالقراءات السبع، وحاصلة على لقب أسرع حافظة على مستوى الشمال، وعلى لقب أجمل صوت على مستوى قطاع غزة.

"يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون".. كانت هذه الآية منبع فكرة فداء، فهي التي دفعتها للبحث عن شيء تفعله فينفعها بالدنيا والآخرة، إلى أن وقع تفكيرها على كتابة القرآن الكريم بخط يدها.

تصف خطّها بأنه "سيّئ"، فكيف أقدمت على كتابة القرآن إذًا؟.. في البداية، لم يدُر في ذهنها أنها ستكتبه لسوء خطها، لكن تحت إلحاح طموحها بأن تكتب القرآن بالخط الكوفي، بدأت خطوتها الأولى، فنظرا لصعوبة الخط الكوفي، بدأت بتعلم رسم الخط العثماني، ومع تكرار المحاولات أتقنته دون الانخراط في دورات تعليم الخط.

استغرقت كتابة القرآن عامين ونصف من وقت فداء، ومرّت التجربة بمراحل مختلفة، تقول وهي تضع نسخة مصورة من المصحف إلى جانبها: "عندما بدأت، كنت أكتب كل يوم سطرين أو ثلاثة، وفي نفس الوقت أحافظ على متابعة دراستي الجامعية، وبعد ذلك أصبحت أكتب كل يوم صفحة، وكان شهر رمضان فرصة لأنجز أكثر، وفي نهاية المشوار أصبحت أكتب في اليوم جزءًا كاملا، وأتقنت الخط العثماني بدرجة كبيرة".

82 قلمًا حصيلة الأقلام التي استنفدتها فداء في رحلتها في كتابة القرآن، واختيار هذه الأقلام كان من الصعوبات التي واجهتها فداء، توضح "كان من الصعب اختيار نوع القلم الجيد، وتحديد درجة سمك الخط المناسبة، وهذا ينطبق على قلم كتابة الحروف، وقلم رسم حركات التشكيل، فلكل مهمة قلم خاص".

بعد أن قلبت آخر صفحات النسخة المطبوعة من القرآن الذي كتبته، أشارت بيدها إلى دقة الخط، لتقول بثقة: "انتقلت من مرحلة (صفر) في الكتابة إلى إتقان الرسم العثماني، والآن دخلت في مشروعي الجديد في كتابة القرآن بالخط الكوفي، الذي تمكنت من إتقانه دون الالتحاق بدورات، وحتى دون الاستعانة بالإنترنت، فقط كنت أحاول تقليد رسم الخط".

في 40 يومًا

فداء التي حفظت القرآن الكريم بالقراءات السبع، بذلت جهدا كبيرا في الوصول لهذا الإنجاز، تفصح عن سر ذلك: "بعدما تمكنت من حفظ القرآن خلال أربعين يوما، لاحظت المحفظات سرعة في الاستيعاب، فنصحنني بالالتحاق بالدورات التأهيلية والعليا، ثم الحصول على السند المتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلى جانب القراءات السبع".

عندما أتمّت حفظ القرآن، كانت طالبة في المرحلة الثانوية، واستمرت في هذا المشوار، حتى انتهت مؤخرا من إتقان آخر الروايات وهي رواية "ورش"، والتي استمرت في تعلّمها لمدة ثلاثة أعوام، إلى أن أنهتها بتقدير امتياز.

وتشير إلى أنها حصلت على لقب أسرع حافظة على مستوى محافظة شمال القطاع بعد أن سمّعت القرآن الكريم في تسع ساعات و45 دقيقة.

أما فيما يتعلق بطموح الصحافة والإعلام، فتوضح "الآن أمارس العمل الصحفي المكتوب، وأدرس الماجستير، ومع ذلك لم أجد بعد المكان الذي سأجد نفسي فيه".