فلسطين أون لاين

أزمة الكهرباء وضعف القدرة الشرائية يخنقان مزارع الأسماك في غزة

...
غزة - عبد الرحمن الطهراوي


على وقع اشتداد حالة الحصار والتضييق المفروضة على قطاع غزة اضطر القائمون على مشاريع الاستزراع السمكي داخل القطاع الساحلي إلى الحد من حجم أعمالهم، والاكتفاء بالعمل على ضمان هامش ربح ضئيل خشية التوغل أكثر في وحل الخسائر.

أزمة انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة يوميًّا قرابة 12 ساعة قطع مقابل 4 ساعات وصل من أبرز التحديات والمعيقات التي يواجهها المربون المحليون للأسماك، فضلًا عن تراجع القدرة الشرائية للمواطنين على إثر تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة.

وتمر عملية الاستزراع السمكي بعدة مراحل، تبدأ بتربية وتزويج أمهات الأسماك في أحواض التفريخ، التي تستورد من الاحتلال الإسرائيلي أو تلك المتوافرة محليًّا، إلى أن تضع البيض الذي قد يصل إلى نصف مليون بيضة من كل سمكة، وبعد ذلك تعزل الأسماك الكبيرة عن الصغيرة كي لا يهاجم بعضها بعضًا.

وعقب ذلك يوضع بيض السمك في أحواض التربية مدة تراوح من 60 يومًا إلى ثلاثة أشهر، إلى أن يكبر السمك، ينقل حينها إلى الأحواض الخاصة بالتسويق والبيع للزبائن أو التصدير إلى الخارج.

وراحت أحوال مشروع "سفيان كحيل" للاستزراع السمكي على شاطئ مدينة غزة تتراجع تدريجًا على مدار الأشهر الماضية، ليقرر تخصيص عمله في الوقت الجاري لتفريخ الأسماك دون تسمينها، وعلى إثر ذلك وصل معدل البيع للمستهلك إلى "صفر"، بعدما كان معدل البيع السنوي يصل إلى قرابة 20 طنًّا من سمك الدنيس.

تراجع وتحديات

يبين كحيل أنه شرع في تنفيذ مشروعه على وفق الطراز الحديث عام 2008م على مساحة دونمين جنوب مدينة غزة، مقسمًا إلى قسمين: مزرعة لتفريخ وتسمين سمك الدنيس والبلطي في المياه المالحة، وبها ستة أحواض كبيرة للتسمين والتربية، و14 حوضًا أخرى للتفريخ، ومطعم لبيع الأسماك للزبائن".

ويضيف كحيل في حديثه لصحيفة "فلسطين": "قبل بيع أي سمك من تربية المزارع تلقى المشروع ضربة كبيرة في عدوان 2008-2009م، إذ تضررت المزرعة كليًّا، ووصلت قيمة الخسائر إلى قرابة 213 ألف دولار، ولكن ذلك لم يمنعنا من إعادة بناء المزرعة ثانيًا والانطلاق مجددًا في العمل".

وقبل أن يتطرق إلى واقع المزرعة في الوقت الحالي يشير إلى أنه له سبق في تنفيذ أول مشروع استزراع سمكي للدنيس والبلطي على مستوى قطاع غزة على شاطئ مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة عام 2004م، قبل أن ينتقل إلى مشروعه الحالي المعروف بمزرعة كحيل ومطعم كحيل.

ويبين كحيل أن عمله في المزرعة بات يقتصر على تفريخ الأسماك، وعدد العمال تراجع إلى تسعة عمال فقط، من بينهم شابان من أفراد عائلته، بعدما كان المشروع يشغل ما يزيد على 15 عاملًا، يتضاعف عددهم في المناسبات والأوقات الموسمية.

عمل معقد

عن أهم التحديات التي يواجهها مربو الأسماك في غزة يتحدث التاجر ياسر الحاج المسؤول عن مزرعة البحار للأسماك على شاطئ غزة، قائلًا: "المشكلة الأكبر التي تواجهنا في عملنا هي استمرار أزمة الكهرباء التي تعد العصب الأساسي لاستمرار عمل مزارع الأسماك دون حل، وتفاقم ساعات القطع، فضلًا عن تغير الأولويات الشرائية للمواطنين في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية".

ويضيف الحاج في حديثه لصحيفة "فلسطين": "تبلغ التكلفة الشهرية لفاتورة الكهرباء قرابة 33 ألف دولار، تكلفة لضمان استمرار عمل المزرعتين المخصصتين لأسماك الدنيس والقاروص، وقسم تفريخ الأسماك، والمختبرات، والمطعم، فشركة الكهرباء تحاسبنا على كل كيلو وات بمقدار شيكل، في حين أن التكلفة على المواطن العادي تبلغ النصف".

يتابع: "العمل في غزة معقد جدًّا، مع أهمية مشاريع الاستزراع السمك في ظل الحصار البحري الذي يفرضه الاحتلال على صيادي غزة، وندرة الكثير من أصناف السمك"، مبينًا أنه اضطر إلى تخزين أعلاف أسماك بقيمة 150 ألف دولار، لضمان استمرار حياة الأسماك حال إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري، الذي تدخل منه الأعلاف مصدرًا أساسيًّا ووحيدًا.

لا يتوقف الأمر عند هذا، إذ عمل الحاج خلال الأشهر الماضية على إدخال قطع غيار من مضخات و"دفاشات هوائية" وتخزينها في غزة، خشية أي طارئ، وذلك بقيمة 80 ألف دولار، فضلًا عن تخرين كميات من السولار اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية الثلاثة بمقدار 140 ألف دولار.

ويشير الحاج إلى أنه يتمكن شهريًّا من تصدير نحو عشرة أطنان من الأسماك إلى الضفة الغربية وأراضي الـ(48)، وإلى جانب ذلك تراجع سعر بيع الكيلو جرام الواحد من سمك الدنيس إلى 33 شيكلًا، بعدما كانت تباع الكمية نفسها خلال السنة الماضية بقرابة 45 شيكلًا.

تكاليف مرتفعة

وفي السياق نفسه يذكر مدير دائرة الاستزراع السمكي في وزارة الزراعة بغزة م. وليد ثابت أن مزارع الأسماك في غزة تواجه تحديات مختلفة على صعد متعددة، نتيجة لواقع الحصار المشدد وتأثيراته المباشرة وغير المباشرة.

ويبين في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن القطاع كان يضم خلال السنوات الماضية ما بين 2004م و2006م ثماني مزارع لتربية الأسماك، ثلاثة منها في المياه العذبة، وخمسة في المياه المالحة، قبل أن يتراجع العدد إلى ثلاثة مشاريع فقط لتربية الدنيس والقاروص، فضلًا عن وجود عدة برك داخل الأراضي الزراعية تكون مخصصة في الأغلب للاستهلاك المنزلي.

يقول ثابت: "إن مشكلة انقطاع الكهرباء وارتفاع التكاليف الإنتاجية على كاهل المربي نتيجة تشغيل المولدات الكهربائية، فضلًا عن ارتفاع معدلات التلوث في المياه وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، تمثل في مجملها تحديات تواجه عمل مربي الأسماك"، مشيرًا إلى أن القائمين على مشاريع الاستزراع السمكي يتمتعون بخبرة كافية تضمن إنتاج أسماك ذات جودة مميزة.