ظل الدكتور خليل الحية يتحدث عن المصالحة الفلسطينية لمدة ساعتين، من أول اللقاء الذي عقد في غزة مع الكتاب والمحللين السياسيين وحتى النهاية، دون يأس أو وجل، ولم يلتفت الرجل برأيه عن المصالحة يميناً أو شمالاً، فقط هي المصالحة، ولا خيار للشعب الفلسطيني إلا المصالحة، ولا أمل لمواجهة صفقة القرن إلا بالمصالحة، ولا طريق للحفاظ على المشروع الوطني إلا بالمصالحة، وظل الرجل يردد كلمة المصالحة حتى ظننت أن لا وجود لفلسطين إلا من خلال المصالحة، ولا بقاء للشعب الفلسطيني على قيد الحياة إلا بالمصالحة.
وبين لفظة مصالحة ومصالحة كان يئن نائب رئيس حركة حماس في غزة من تجاهل السيد عابس ليد حماس الممدودة للمصالحة، لذلك لم يحمّل الدكتور الحية مسؤولية عدم تطبيق بنود المصالحة للحكومة، ولم يعتب على رئيس الوزراء، ولم يقم بلوم أي من الوزراء، فقد وضع يده على الجرح، وهو يؤكد للحضور، أن الإعاقة الرئيسة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ترجع إلى القرار السياسي، وللسيد عباس شخصياً، الذي لم يطلق يد حركة فتح كي تمتد على مداها، وتنفذ بنود الاتفاقات بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني.
ورغم حرص الدكتور خليل الحية على الحديث في الشأن السياسي الفلسطيني بشكل عام، وعن أهمية محاربة المطبّعين أكانوا أفراداً أم حكومات أم دولًا، ورغم حديثه عن ضرورة الوحدة الوطنية لمواجهة صفقة القرن، وعن دور مصر في رفض الصفقة، وحرصها على تحقيق المصالحة الفلسطينية، وإصرارها على ارتقاء العلاقة بين مصر وحماس إلى حد التعاون في أكثر من مجال، رغم كل ذلك، لم ينجُ الرجل من شراك التفاصيل التي تعيق المصالحة، وبشكل متعمد، فخاض في بعض التفاصيل، التي تهم المواطن، ويجهل تفاصيلها، فقال على سبيل المثال:
1ـ الجباية:
لقد وافقنا على تسليم الجباية وفق الاتفاق، والذي حدد تاريخ 10/12 موعداً لتسليم الجباية، ولقد طلبنا من الحكومة أن تقوم بصرف رواتب الموظفين بعد يومين من تسلم الجباية، في 12/12، فالموظفون يصرخون منذ زمن بلا رواتب، وكانت المفاجأة في رد الدكتور زياد أبو عمرو، نائب رئيس الوزراء، حين قال: سلموا الجباية الآن، وبعد شهر سنصرف رواتب للموظفين المدنيين دون العسكريين، سنصرف رواتبهم من الجباية التي سيتم جمعها من غزة!
وقتها عرضنا على حركة فتح أن نضع جباية غزة عند طرف ثالث مؤتمن، مصر على سبيل المثال، بحيث نضمن دفع الرواتب، واستمرار الحياة الوظيفية في غزة على طبيعتها، فإن تلكأت الحكومة، نسترد المبلغ، ونسير الحياة الوظيفية، ولكنهم رفضوا هذا الطرح.
لقد عرض علينا الوفد الأمني المصري في الفترة الأخيرة أن نقوم بتسليم الجباية، وننتظر، فإن لم تدفع الحكومة الرواتب، فمن حق حركة حماس أن تفعل ما تشاء، نحن نوافق على ذلك، ولكننا نريد ضامناً لدفع رواتب الموظفين، ولكن لا ضامن للحكومة حتى هذه اللحظة.
2ـ القضاء:
لقد قلنا لهم: لا يحق للحكومة أن تضع يدها على القضاء، فالقضاء هيئة مستقلة بذاتها، خذوا وزارة العدل، فهي للحكومة، ولكن القضاء مستقل، ونحن مستعدون للمشاركة في لجنة وطنية، تنظر في موضوع القضاء بشكل عام، ونلتزم بما تتوصل إليه اللجنة، ولكنهم رفضوا.
3ـ الأمن:
رفضنا أن نسلم الشرطة لوزارة الداخلية دون تسلم الملف الأمني بجملته، فما زلنا نقول: إن الملف الأمني وحدة واحدة، لا يمكن تجزئته، وطالبنا وزير الداخلية بأن يبعث وفداً أمنياً من الضفة الغربية ليتسلم الأمن جملة واحدة، ولكن حتى اللحظة لم تبعث الحكومة الوفد الأمني.
4ـ الكهرباء:
قرر رئيس سلطة الطاقة في رام الله تشكيل مجلس إدارة جديدة لشركة توزيع الكهرباء، ولم نعترض، طالب بتنحية رؤساء البلديات عن الشركة، ولم نعترض إذا كان ذلك ينسجم مع القانون، وافقنا على كل ما يقول، وطالبنا بإعادة خطوط الكهرباء المقطوعة، فوضع شرط أن تدفع غزة ثمن الكهرباء، ولم نعترض، وكان شرطنا هو مراعاة أحوال الناس في الجباية، ولا سيما أن مخيمات الضفة الغربية معفاة من دفع ثمن الكهرباء، فلماذا تضيقون على أهل غزة، في الوقت الذي تجمع الحكومة مبلغ مئة مليون شيكل شهرياً قيمة الضرائب التي تجبيها من بضائع غزة، ورغم كل ما سبق، اتفقنا على دفع قيمة 50 ميجا الكهرباء المقطوعة عن قطاع غزة.
الدكتور خليل الحية لم يطرح أي خيارات أمام حركة حماس بديلاً عن المصالحة، ولكن الرجل أكد على موقفين مهمين حين تحدث عن:
1ـ عقد جلسة المجلس الوطني، فقال: لا قيمة لقرارات المجلس الوطني إذا عقد في رام الله، هذه الجلسة ستعمق الانقسام، ولن تخدم القضية الفلسطينية، وفي المقابل نحن ملتزمون بكل ما جاء في اجتماعات اللجنة التحضرية التي عقدت في بيروت في يناير 2017، تلك الجلسة التي ترأسها رئيس المجلس الوطني السيد سليم الزعنون، ووافقت عليها كل التنظيمات الفلسطينية بما في ذلك تنظيم حركة فتح، والتي دعت إلى تشكيل مجلس وطني جديد، يضم كل القوى السياسية والتنظيمية الفلسطينية، وأن يصير إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على الانتخابات، ونحن في حركة حماس ملتزمون بالعمل وفق مخرجات تلك الجلسة الوطنية التي عقدت في بيروت.
2ـ في حالة وفاة الرئيس، أو شغور موقع رئيس السلطة الفلسطينية لأي سبب كان، فإن حركة حماس ملتزمة بالقانون الأساسي، والذي ينص على أن الذي يشغل منصب الرئيس هو رئيس المجلس التشريعي لمدة 60 يوماً، تجرى خلالها الانتخابات ضمن حالة توافق وطني، لاختيار رئيس جديد، دون ذلك، فحركة حماس لا تعترف بالمحكمة الدستورية، لا بآلية تشكيلها، ولا بإجراءاتها التي تعاند القانون الفلسطيني.
من خلال حديث الدكتور خليل الحية، يمكن استشفاف خطوات عمل قد تلجأ لها حركة حماس في المرحلة القادمة، خطوات تؤكد على حرص حركة حماس على أن تمسك بزمام المبادرة، ولكن بعيداً عن الإعلام، وهذا يشير إلى أن القضية الفلسطينية تعيش مرحلة مخاض صعبة، وعلى سكان قطاع غزة بالتحديد، أن يتجلدوا، وأن يصبروا، وأن ينتظروا الفرج من عند الله عز وجل، ومن مستجدات الأحداث، فالأرض حبلى، وصرخة الميلاد قد تمزق قلوب المرتجفين.