للمرة الأولى منذ نكبة فلسطين عام 1948م يتم الإعداد لمسيرة شاملة للاجئين الفلسطينيين في داخل فلسطين وخارجها معاً، وبالحشد والكثافة والتحضيرات النوعية غير المسبوقة، تشارك فيها العائلات بكاملها، رجالاً ونساءً وأطفالاً. وهي مسيرة ضرورية وواجبة، وإن تأخر تنفيذها طوال السنوات السبعين الماضية، فإن الشروع فيها اليوم يشكل نقلة نوعية في أسلوب التعاطي الفلسطيني مع حق العودة. لقد انتظر الفلسطينيون طويلاً مساندة دولية تقر لهم حق العودة، فطاش سهمهم، لأن الشاعر قال فيما ذهب مثلاً: "ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتول أنت جميع أمرك". وإن من حق شعب وقع عليه الاحتلال أن يقاوم، وأن يسلك كل مسلك يحفظ حقوقه ويعيدها إليه. إن ما يتم تحضيره لمسيرة العودة التي ستنطلق من كل حدود فلسطين وفي داخلها وفي عواصم العالم، هي شكل مهم من أشكال المقاومة، لا تقل في أهميتها عن الكفاح المسلح الذي هو أبلغ صور المقاومة وأقصرها طريقاً نحو العودة والتحرير. ونستطيع تلمُّس أهمية هذه المسيرة على النحو التالي:
1- تؤكد مسيرة العودة على حيوية الشعب الفلسطيني، وتمسكه بحقوقه كاملة غير منقوصة مهما طال الزمن، فلا يضيع حق وراءه مُطالِب.
2- وتؤكد تمسك أجيال اللاجئين بحقهم في وطنهم كاملاً، فيما يمثِّل صفعة على وجوه كل الذين ساوموا على حق العودة، وخاضوا في تفاصيل تصفيته.
3- تؤكد فشل كل السياسات الفلسطينية والعربية والدولية الرامية لإنهاء حق العودة، والعمل على دمج اللاجئين في المجتمعات التي أقاموا فيها.
4- تمثل مسيرة العودة رداً عملياً من الفلسطينيين على دعاوى يهودية دولة (إسرائيل)، التي تشترطها (إسرائيل) للمضي فيما يُسمى بالعملية السلمية، وتدعمها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وتقبل بذلك على استحياء أطراف فلسطينية منبوذة.
5- تضفي هذه المسيرة، على النحو المُعدّ لها، طابعاً دولياً لهذه الفعالية، حيث ستخرج المسيرات والاعتصامات أمام السفارات (الإسرائيلية) ومقرات الأمم المتحدة عبر العالم. وتحتشد جماهير اللاجئين، والمتضامنون معهم من إخوانهم العرب، على حدود الأردن ولبنان، وحدود الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي عام 1948، الأمر الذي يشكل أزمة سياسية وإعلامية (لإسرائيل) لا تنتهي بانتهاء المسيرة، بل تستمر تداعياتها بعد ذلك، ويكفي أنها ستضع سؤالاً مهماً أمام العالم: كيف يكون التعامل مع قضية اللاجئين وهذا حالهم، لم ينسوا، ولم يتنازلوا؟
6- تأتي هذه المسيرة رداً منطقياً على عمليات قهر الشعب الفلسطيني الممنهجة، والتي تستهدف طمسه وسحقه في كل الساحات وبالأخص قطاع غزة. لأن قوى الظلم ترى في صمت الشعب الفلسطيني فرصة لتحقيق صفقات ذات قرون، ساورتهم بها شياطينهم، وما أدركوا أن هذا الصمت ما هو إلا السكون الذي يسبق العاصفة.
7- يشكل قطاع غزة عصب هذه المسيرة، بما عُهد عنه من نزعة ثورية وثّابة، وقدرة على الحشد والتعبئة، والصمود، في الوقت الذي يشكل فيه رأس الحربة لمشروع المقاومة ضد المحتل الصهيوني.
إن مسيرة العودة، حراك شعبي يعزز المقاومة ويمارسها بأشكال مختلفة، وتفرض على جميع الفلسطينيين النهوض من رقادهم، والسعي لنيل حقوقهم بأيديهم، وفرْض أجندتهم على سائر الأجندات الدولية المتآمرة عليهم. ولا بد أن يكون يوم الأرض في 30 مارس فاتحة لهذه المسيرة العالمية، والتي ستجعل من سبعينية النكبة في منتصف مايو المقبل نقطة انطلاق نحو العودة إلى فلسطين، ومرحلة فاصلة تطوي ألاعيب التفاوض ومسيرات السلام الموهوم.