لم تكتفِ سلطات الاحتلال بتهويد بلدة القدس القديمة وزرع البؤر الاستيطانية في جميع أحيائها، بل سعت دومًا للحكم على الأحياء الحيوية في القدس العتيقة بالموت البطيء باستهداف اقتصادها.
فحيّ باب حطة، أحد أقرب الأحياء للمسجد الأقصى من الجهة الشمالية، يواجه هذه الأيام بسلاح الضريبة والغرامات التي تحررها طواقم بلدية الاحتلال للتجار بدعوى حثهم على تسوية أوضاعهم القانونية.
ويحوي سوق باب حطة على 20 محلًا تجاريًا، ويضم أشهر مخابز الكعك المقدسي. وأغلقت معظم تلك المحلات أبوابها خلال الأسابيع الأخيرة بشكل نهائي بسبب حملة "مسعودة وغير مسبوقة" تقودها بلدية القدس الاحتلالية، تجبرهم على ترك محلاتهم، وتقتل مظاهر الحياة في الحي.
وعبّر عمار الرازم، مالك مطعم للساندويشات الخفيفة في الحي، عن استيائه من الحملة التي تستهدف الحيّ بالضرائب الباهظة رغم التسجيلات والأوراق القانونية التي يحملها التجار .
وبيّن أن طواقم بلدية الاحتلال سلمته مؤخراً، قرارًا يقضي بإغلاق محله لحين إصدار التراخيص اللازمة من دائرة الصحة الإسرائيلية، وحددت مطلع يونيو/ حزيران القادم موعدًا لمثوله أمام القضاء الإسرائيلي بحجة عدم وجود رخصة لفتح المطعم.
وقال الرازم لصحيفة "فلسطين": "الجميع يعلم بأنه لا يمكن إصدار رخصة فتح مطعم في الحيّ، وتقدمت بطلب عدة مرات وتم رفضه واليوم ننتظر قرار المحكمة ربما يصدر عنها قرار غير متوقع".
ولفت إلى أنه وقبل نحو شهرين داهمت طواقم البلدية مطعمه، وأجرت فحوصات لجميع الأوراق القانونية والتسجيلات، ولكنها اعتبرت الأوراق ناقصة وغير صحيحة، وفرضت عليه غرامة مالية بقيمة "30" ألف شيقل .
في حين يقول صاحب أقدم مخبز كعك مقدسي في الحيّ إن إجراءات الحصول على التراخيص معقدة وطويلة وتكاليفها باهظة، وشبه مستحيلة "ولكن سأحاول إصدار رخصة لاستمرار العمل".
وأفاد عاطف أبو اسنينة، باقتحام قوات الاحتلال مخبزه قبل أسابيع ومطالبته بتجديد المخبز وصيانته، قائلًا: "صناعة الكعك المقدسي تتم على فرن يعمل بالحطب لنحافظ على جودة الكعك، وهم يطالبونا بفرن حديث ومتطور لكنه لا يصلح للحفاظ على نوعية المنتج الذي نقدمه".
وأما التاجر مهند البشيتي، مالك بقالة صغيرة في الحيّ، فاعتبر هجمة الاحتلال على "حطة" مقدمة لمصادرة محلاتهم التجارية بسبب تراكم الديون على أصحابها وعدم تمكنهم من سدادها سيجعل الاحتلال منها ذريعة للحجز على المحلات ومن ثم مصادرتها.
وتشير بيانات الغرفة التجارية في القدس، إلى أن طواقم الدهم الضريبي المشتركة مع شرطة الاحتلال، داهمت منذ اندلاع الهبّة الشعبية في القدس ما يزيد على ألف محل تجاري في أسواق البلدة القديمة ومئات المحال التجارية الواقعة خارج أسوارها.
تهجير وإحكام للسيطرة
عضو لجنة تجار البلدة القديمة حجازي أبو صبيح، يرى أن إجراءات الاحتلال تهدف إلى تهجير التجار من داخل البلدة القديمة بطرق مختلفة أبرزها الضرائب، وحجج التراخيص إضافة إلى عروض خيالية لشراء المحلات من أصحابها.
وقال أبو صبيح، لصحيفة "فلسطين"، إن الوضع في حيّ باب حطة والأحياء المجاورة لا يشجع على العمل ما يضطر الكثير من التجار إلى غلق أبواب محلاتهم إلا لساعات قليلة وربما يصبح الإغلاق أبديًا بسبب المداهمات المتتالية التي يريد الاحتلال منها إحكام سيطرته على القدس القديمة
وأوضح أن الاحتلال زاد من هجمته على الحيّ بعد الهبة المقدسية ضد البوابات الإلكترونية في وإصرار المقدسيين على فتح باب حطة حينها، فشنّ الاحتلال عقوباته الجماعية على سكّان الحي سواء بملاحقة التجار أو بمساندته لمجموعة من المستوطنين كانوا قد استولوا على منزل في الحيّ قبل عدة أشهر.
ضرائب بلا عائدات
أما عضو لجنة تطوير الحيّ، ناصر غيث، فبيّن أن 5 محلات تجارية فقط تفتح أبوابها بشكل يومي، في حين أن هناك محلات تفتح فقط في ساعات المساء نظرًا للاقتحامات في الفترة الصباحية .
وأوضح غيث، لصحيفة "فلسطين"، أن الضرائب التي تفرضها بلدية الاحتلال على التجار في "حطة" تتراوح بين 30–90 ألف شيقل، وتهدف بشكل أساسي إلى تحطيم عزيمة التاجر وإجباره على إغلاق محله والبحث عن سبيل آخر للعيش.
وشدد على أن مجموع ما يحصل عليه التاجر طوال النهار لا يحقق هامش ربح، وربما لن يكفي لسداد مصاريف وخدمات المحل ولكن الرباط وأجره هو الذي يجعل التجار يصمدون في هذه الظروف .
وتفرض سلطات الاحتلال 21 نوعًا من الضرائب على المقدسيين، ومن أبرز الضرائب الشائعة ضريبة "الأرنونا" وضريبة الأملاك وضريبة القيمة المضافة.
وتعد "الأرنونا" الأكثر إرهاقًا للمقدسيين، ويبلغ معدل هذه الضريبة مئة دولار سنويًا على كل متر مربع للمحل التجاري، ما يضطر التاجر لتصغير محله، واستعمال جزء منه، ليتمكن من دفع ضريبته المتزايدة بمقدار 3-5% سنويًا أو إغلاقه، وفقًا لغيث.
وناشد غيث حكومة الحمد الله والبعثات الدبلوماسية والدولية الموجودة في القدس بضرورة التحرك من أجل حماية التاجر المقدسي ليس في حيّ باب حطة وحسب بل في البلدة القديمة برمتها .
وطبقًا بيانات سابقة لبلدية الاحتلال، تقدر حجم الضرائب التي تجبيها سنويًا من المقدسيين بأكثر من مائة مليون شيقل (25.8 مليون دولار)، تقول الغرفة التجارية بالقدس إن سلطات الاحتلال لا تنفق منها على الأحياء المقدسية سوى 5%، فيما تذهب المبالغ الأخرى المتبقية إلى المستوطنات اليهودية، خاصة تلك المقامة في قلب الأحياء المقدسية.