مرض افترس الجسد، نوبات ألم، آهات بصمت، أعضاء جسد نحيل، هالات سوداء تحت العينين، شحوب على الوجه، فحوصات متعبة ومملة، رأس لا يعتليه سوى فروة، ارتباك واضح في الحياة، يتألم بصمت، مرض قد سيطر على الجسد بأكمله، جرعات علاجية بأنواعها المختلفة "كيميائي، وإشعاعي، وهرموني"، تلك الآلام لم تكن مشهداً كرتونياً بل هي أعراض مرض الوحش الخفي "السرطان"، ولولا إيمان هؤلاء المرضى بالله لما استطاعوا أن يصبروا على هذا المرض اللعين الذي أطلقوا عليه "الخبيث المتخفي".
هذه الأوجاع التي يعاني منها صديقي "محمد" الذي باغته المرض في العقد الثاني من عمره، هذا الخبيث المتخفي قضى على أغلب ملامحه المشرقة وانتحل شعره ذا اللون الأشقر الذي كان من علامات جماله، أصبح رأسه لا يعتليه سوى الجلد، استقبل مرضه بالخبر المفجع، شعر باليأس والاستسلام وأن الموت بدأ يقترب منه أكثر فأكثر، وحالته النفسية ميتة، وحياته حاصرها المرض داخل غرفة تلقي العلاج بقسم الأورام في المستشفى الأوروبي جنوب القطاع، تعرف محمد على أصدقاء يعانون من المرض ذاته، قدموا له دفعة نفسية كبيرة ورفعوا معنوياته للتغلب على المرض الذي اقتحم حياته فجأة، ومحمد حالياً يتلقى العلاج ويتعايش مع المرض في حياته، ويقدم للآخرين رفع معنويات لعدم الاستسلام للمرض الخفي الذي يدمر الحياة.
تضاعفت مأساة المصابين بالسرطان في قطاع غزة في ظل نفاد أكثر من 90% من الأدوية الخاصة بمرضهم الذي يساعدهم على مقاومة ذلك المرض الخبيث، لكن الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من عشر سنوات، سلب أدنى حقوق المرضى، في الوقت التي تعاني مستشفيات القطاع من إمكانيات محدودة لعلاج ذلك المرض، مما دفع وزارة الصحة إلى تحويل آلاف الحالات للعلاج في الخارج، فالمعابر شبه مغلقة تفتح بين الحين والآخر بسبب الحصار المفروض منذُ اثنتي عشرة سنة، وعند الإذن لهم بالسفر تبدأ رحلة معاناة جديدة قد تعمل على التأثير على نفسيتهم المنهكة من الأساس.
يعدّ مرض السرطان في العالم من الأمراض الأكثر فتكاً بالإنسان، حيث يتم الكشف عن المرض في مراحله الأخيرة، وأضحى السرطان يستولي على المرتبة الأولى ضمن الأسباب المؤدية للوفاة في كثير من دول العالم، حيث يشكل 14% من حالات الوفاة السنوية.
حيث كشفت إحصائيات رسمية لوزارة الصحة الفلسطينية أن معدل الإصابة بالسرطان في فلسطين بلغ 83.8 حالة جديدة لكل مئة ألف نسمة من السكان، بواقع 83.9 حالة جديدة لكل مئة ألف نسمة من السكان في قطاع غزة. وضمن الإحصائيات أفادت أن السرطانات الخمسة: الثدي، والرئة، والقولون، والدماغ، والدم تشكل 58.6% من حالات السرطان المؤدية للوفاة بين الفلسطينيين.
ويعتبر سرطان الثدي في المرتبة الأولى طبقا لعدد الحالات الجديدة المبلغ عنها، بنسبة 17.8% من مجموع حالات السرطان.
وأوضحت الوزارة في بيانها أن ما نسبته 34.4% من حالات السرطان وقعت في الفئة العمرية فوق الـ 65 عاماً، علما بأن نسبة هذه الفئة من مجموع عدد السكان هي 2.9% فقط، وسجلت 59.8% من الحالات في الفئة العمرية من 15- 64 عاماً، وهي فئة السكان في سن العمل والإنتاج، وسجلت 6.8% من الحالات في الفئة العمرية دون سن الـ 15 عاما.
بكل الأحوال فإن جريمة الحصار المستمرة تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي يتشدق ليل نهار بالإنسانية، أدت إلى استشهاد العشرات من أهل غزة جوعاً وعطشاً ومرضاً لمنعهم من مغادرة غزة للعلاج.