المشهد الذي يتكشف حول قضايا الفساد المتورط بها بنيامين نتنياهو، لا يفاجئ أحدا من العارفين بالشأن الإسرائيلي الداخلي، إذ ثبّت ما هو معروفا على مدى السنين. فالحُكم الصهيوني، قائم على سلب ونهب شعب بأكمله، وفي ذات الوقت، فإنه يجعل من اليهود لا أكثر من رهائن مجنّدين لخدمته، في ظل أجواء ترهيب وكراهية، لا قاع لها. وفي المقابل، فإن من ركائز اقتصاده، جرف مليارات لجيوب حيتان المال، الذين يحطّون كالطيور المهاجرة في فلسطين لفترة قصيرة، ثم يعودون من حيث أتوا، أو إلى مكان فيه ظروف أفضل.
وملخص حكاية علاقة حيتان المال اليهود بالُحكم الصهيوني، نجده كنموذج، في القضية الأبرز التي يتورط بها نتنياهو مباشرة، وهي حصوله على "هدايا" بمئات آلاف الدولارات، من "صديقه" الثري الأميركي اليهودي أرنون ميلتشين. ومعظم الهدايا كانت على شكل سيجار وشمبانيا من أفخر الأنواع العالمية، ومجوهرات للزوجة سارة نتنياهو.
ففي العام 2008، أقرت حكومة إيهود أولمرت، تعديلات على قانون الاعفاءات الضريبية للمهاجرين اليهود، بحيث يعفى المهاجرون من أصحاب رؤوس المال، لمدة عشر سنوات، من دفع ضرائب وتقديم تقارير مالية للسلطات الإسرائيلية، على نشاطهم الاقتصادي في الخارج، دون أي شرط يلزمهم بالاستثمار في الاقتصاد الإسرائيلي. وحسب كافة التقارير، فإن أكبر المستفيدين، هو الأميركي أرنون ميلتشين، أحد كبار المستثمرين في قطاع السينما في هوليوود.
فقد هاجر ميلتشين واستوطن في فلسطين، ليكون معفىً أيضا من الضرائب الأميركية، بعد تنازله عن الجنسية. ولاحقا، تبين أنه كان متورطا بنشاط لجهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية "الموساد"، على أرض الولايات المتحدة، بشكل يتعارض مع القوانين الأميركية، فتم حرمانه من التأشيرة الدائمة. وهنا، طلب من نتنياهو التوسط له.
ولكن القضية الأكبر، أن ميلتشين طلب من نتنياهو في العام 2014، تمديد قانون الاعفاء الكبير لعشر سنوات أخرى، إلا أن المستوى المهني في وزارة المالية رفض الأمر. ويقول محللون إسرائيليون، ومن بينهم، سيفر فلوتسكر في "يديعوت أحرنوت"، وميراف أرلوزوروف في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، إن قانون الاعفاء الضريبي لم يثمر أي فائدة للاقتصاد الإسرائيلي، كما أنه لم يجرف الأعداد الهائلة من اليهود للهجرة إلى فلسطين، في سنوات الألفين.
وتقول أرلوزوروف إن قانون الاعفاء لربما استقدم عشرات وحتى بضع مئات اليهود، من أصحاب الاستثمارات المالية في الخارج، ولكن هؤلاء أتوا للاستفادة من القانون، وبدأوا يغادرون مع انتهاء مفعوله، دون أي فائدة للاقتصاد، ولا لمشروع استقدام اليهود.
وهذا نموذج عيني لحالة أوسع بكثير، ولها أغلفة متعددة، ولكنها تلتقي عند صب المليارات في جيوب حيتان المال اليهود المهاجرين؛ كما هو الحال في قضية شركة الاتصالات الأرضية، التي سعى فيها نتنياهو إلى تغيير أنظمة وقوانين، لصالح صاحب السيطرة على الشركة. وهناك قضايا لا تدرج ضمن قضايا الفساد، ولكنها بالتأكيد تندرج ضمن نهب الأموال. مثل قضية شركة الأدوية "طيفع" التي هي واحدة من أضخم سبع شركات أدوية في العالم، فقد حصلت الشركة على امتيازات ضريبية بما يعادل 6 مليارات دولار، في غضون 12 عاما، شرط أن تضمن أماكن عمل لآلاف العاملين. ولكنها قبل أكثر من شهرين، أعلنت "طيفع" عن اغلاق شركات وتسريح ما يقارب ألفي عامل، بعد أن استفادت من "امتيازات تشجيع الاستثمار".
وهذا يدعم حقيقة أن المشروع الصهيوني هو مشروع استعمار اقتصادي منذ اللحظة الأولى لولادته. وكل الديباجات الصهيونية، مثل الاستناد للروايات التوراتية، واختلاق تاريخ ليس له ما يثبته على الأرض، هو من أجل اختلاق رواية تبرر الفكرة الصهيونية، وهي ليست قناعة منغرسة في الوعي العام لدى يهود العالم، وحتى لدى اليهود الإسرائيليين.
وهاكم حقيقة أخرى، تستند إلى التقارير الإسرائيلية، وتلك الصادرة عن الوكالة الصهيونية، إذ أن حوالي 10 % من المهاجرين اليهود الى فلسطين على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، يعلنون أن هجرتهم على أساس "أيديولوجي". وثانيا، حسب الوكالة الصهيونية، فإن السبب الأساس للتراجع الحاد في الهجرة، هو أن 90 % من أبناء الديانة اليهودية في العالم، يعيشون في دول مستوى المعيشة فيها أعلى من إسرائيل، ولهذا فهم ليسوا معنيين بالهجرة. ما يعني أن الدافع الاقتصادي هو الأساس.