منذ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الوفاء بوعوده للوبي الصهيوني الذي دعم حملته الانتخابية من وراء ستار، رغم كون الأخير من الداعمين التقليديين للحزب الديمقراطي المنافس لترامب، وانخراط البيت الأبيض بالترويج لصفقة القرن التي يحاول من خلالها تصفية القضية الفلسطينية وما تبقى من حقوق لديهم، تضع الولايات المتحدة الأميركية نفسها بشكل واضح وفج في مواجهة الفلسطينيين جميعاً، بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، لكنها أضافت بُعداً جديداً خاصة في سلسلة من القرارات والقوانين والتصريحات تستهدف بها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
مجلس النواب الأميركي أقر مشروع قانون يفرض عقوبات على الحركة بسبب مزاعم "استخدامها المدنيين كدروع بشرية"، وهو قرار يتماشى مع المزاعم الإسرائيلية المتكررة في هذا السياق، إضافة إلى وضع رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، على لوائح "الإرهاب".
يزعم البيت الأبيض أنّ حركة "حماس" مسؤولة عن أزمات غزة الإنسانية المتفاقمة، وهو اتهام مشابه للادعاءات الإسرائيلية تماماً، والتي تربط الازدهار بغزة بجمع سلاح الحركة ووقف نشاطها العسكري والتدريبي.
لا توجد علاقة رسمية ولا غير رسمية بين "حماس" وواشنطن، لكن مسؤولين أميركيين سابقين، ومنهم الرئيس الأسبق جيمي كارتر، التقوا أكثر من مرة قيادات الحركة في كل من الدوحة وغزة، في أوقات سابقة. ويمكن الربط بين المزاعم والقوانين التي تستهدف "حماس" وبين "صفقة القرن" المتوقع إعلانها في الأشهر المقبلة، لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي تشير كل مقدماتها إلى تطابق تام بين مضمونها والمواقف الإسرائيلية المتطرفة تجاه القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعودة اللاجئين والقدس عاصمة له.
الاستهداف الأميركي للحركة وقياداتها يأتي في سياق الانحياز الكامل للكيان الصهيوني، وإعطاء الغطاء للجرائم التي يمارسها الاحتلال ضد قيادات وكوادر المقاومة والشعب الفلسطيني، كما يندرج أيضاً في سياق تنفيذ ما يسمى صفقة القرن التي بدأت باستهداف القدس عبر إعلانها عاصمة للاحتلال ثم استهداف حق العودة من خلال تقليص الدعم المقدم للأونروا، ووضع قيادات حماس على لوائح الإرهاب.
لست بصدد الدفاع عن حركة حماس أو مواقفها وخياراتها السياسية فالحركة هي التي تقف بشكل "رئيسي" و"مركزي" ضد "صفقة القرن" ومشاريع تصفية القضية، لذلك فإن الإدارة الأميركية تحاول استهدافها لأنها هي التي تقف رأس حربة في مقاومة المشروع الصهيوأميركي في المنطقة.
مواجهة كل ذلك يقتضي الوحدة وترتيب البيت الفلسطيني ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وإنهاء حقبة أوسلو ووقف الرهان على المفاوضات والحلول التصفوية، والاستمرار في المقاومة بكافة أشكالها، لأن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني حتى استعادة أرضه المحتلة.
الاستهداف الأميركي المتصاعد لـ"حماس" يأتي في إطار ازدواجية المعايير في التعاطي مع الملف الفلسطيني والانحياز الكامل لـ(إسرائيل). فالضغط على "حماس" يحدث بينما يتم إنضاج "صفقة القرن" التي يريد أن يمررها دونالد ترامب، فالإدارة الأميركية ترى أن الحركة عامل معرقل رئيس للصفقة، وتحاول واشنطن ممارسة ضغوط كبيرة على "حماس" ضمن سياسة العصا والجزرة، والإشارة إلى أنها لن تكون في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي فقط بل ستكون المواجهة مع واشنطن أيضاً، ومن تابع نص قانون مجلس النواب الأميركي الأخير فهو لا يقتصر على مواجهة أميركية حمساوية بل يدعو ترامب بتكليف مندوبته في الأمم المتحدة نيكي هايلي إلى محاولة تحويله إلى قرار أممي، من أجل إدراج حماس كمنظمة إرهابية والضغط المباشر على كل من ينتمي للحركة ومن يدعمها سواء دول أو أفراد.
الآتي صعب بلا أدنى شك بالنسبة لحماس، ومواجهة صفقة القرن ينبغي ألا تقتصر على الحركة، بل تحتاج لموقف جمعي فلسطيني، حتى لا تنفرد أميركا و(إسرائيل) بمحمود عباس وحماس كل على حدة. أمام "حماس" خيارات ينبغي أن تلعب وفقها، وعلى رأسها الوحدة الوطنية بشكل مهم، ووحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة الإدارة الأميركية والانحياز الأميركي لـ(إسرائيل)، وتفعيل شبكة علاقاتها الخارجية وتقوية علاقاتها مع روسيا بالتحديد لتقف معها بمجلس الأمن إنّ ذهب قانون تجريم "حماس" للمجلس.
واقع الحال أن هناك عاملا إضافيا قد يعزز من الضغوط الأمريكية والغربية على حركة حماس هو الضغط على إيران من قبل الولايات المتحدة وكيان الاحتلال في ظل ترويج الأخير لمزاعم احتمال اشتراك الحركة في أي حرب مقبلة بين إيران وكيان الاحتلال، وهو ما يعني مضاعفة الضغوط على حماس بوصفها إحدى حركات المقاومة للاحتلال بصرف النظر عن قوة علاقتها وارتباطها بطهران من عدمه، فالمبدأ الإسرائيلي أن كل من ليس معنا.. فهو ضدنا، وهو المبدأ الذي درجت واشنطن على استخدامه منذ عهد الرئيس جورج بوش الابن في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.