فلسطين أون لاين

​سرّية المُحاكمة تعيد باسم التميمي لأسوأ ذكريات 1993م

حين قَتَلوا عمَّة "عهد" في صدر المحكمة

...
عهد التميمي (أ ف ب)
رام الله / غزة - حنان مطير

انتزعوه من ذراعِ أمّه، ثم قيّدوا يديه وجرّوه جرًّا، وراحوا يركلونه ويضربونَه ضربًا مبرحًا، فيما كان يصرخ من أعماق قلبِه "يمّااا.. يمّااا.. اتركوا أمي.."، محاولًا أن يُبعِد جنود الاحتلال الإسرائيليّ عنه كي ينقذ أمّه من ضرباتِ المجنّدين والمجنّدات والمستوطنين في المحكمة العسكرية الإسرائيليّة حتى انبثق شلال الدّماء من رأسِها وسقطَت أمام عينيه.

لم يبالِ أحدٌ بصرخاتِ الصغير محمود التميمي المُفزِعة وكان حينها في عمر (13 عامًا) بل زادوا في ضربِ أمّه باسمة التميمي على رأسِها بجهاز التفتيش، وفي كل أنحاء جسدها بكل ما أوتوا من حقدٍ وقوةٍ وبطريقةٍ انتقاميّة، حتى بات المشهدُ أشبه بمعمعة في ساحة حرب- يروي محمود ابن عمّة الأسيرة الطفلة عهد التميمي لـ"فلسطين" أحداث عام 1993م التي تعيد نفسها بعد 26 عامًا.

أصيبت عمّة عهد بنزيفٍ دماغيّ ثم لم تلبث أن استُشهِدت في تلك الجريمة المُرتكَبَة في صدر محكمة الاحتلال العسكرية، تاركةً الحسرةَ والوجَع في قلبِ طفلِها الشاهد العيان على الموقف حتى اليوم.

ويروي محمود بأسف: "كانت محكمة الاحتلال قائمةً حينها لإصدار حُكمٍ بحق أخي نزار، وكانت والدتي قد جاءت حزينةً تصحبني بانتظار الحكم، وقد حُكِم عليه حينها بالمؤبّد بعد اتّهامه مع سعيد وأحمد التميمي بقتل جنديٍّ إسرائيلي".

فيما كان خالِه باسم التميمي -والد عهد- قابعًا تحت التحقيق في نفس التهمة الموجّهة لنزار والآخرَين، والذي استخدم فيه الاحتلال أسلوب التعذيب بـِ"الهَزّ" الذي يتم فيه تحريك الدماغ بشكل دائريّ وفق باسم.

ويوضح باسم في حديث لـ"فلسطين" أنه دخل في غيبوبة مدة عشرة أيام ثم أصيب بشلل لفترةٍ معينة نتيجة استخدام هذا الأسلوب في التعذيب، فيما استشهد من بعده الفلسطيني عبد الصمد حريزات وأصيب آخرُ بشلل رباعي لنفس السبب.

ويعلق: "تزامن خروجي من التحقيق دون إثبات تهمةٍ ضدي مع عزاء أختي باسمة، كم كان الأمر صعبًا ومؤلمًا".

وبينما قرّر قاضي الاحتلال جعل محاكمة عهد مغلقة من دون حضور وسائل الإعلام والمراقبين والدبلوماسيين بحجّة المحافظة على حياتها كونها قاصرًا؛ يرى والدها أن الاحتلال أخبث من أن يحافظ على حياة القاصرات وأكثر جرمًا من أن يفكر بذلك، ويقول: "لقد أعادني هذا القرار للزوايا المظلمة من ذاكرتي والتي قُتِلت فيها أختي باسِمة (48 عامًا) بطريقةٍ بشِعة في المحكمة حيث يدعي الاحتلال أنها محكمة تقوم على العدل وهي لا تمت للعدل بِصِلَة!".

"حالة من التحريض الكبير والاعتداء والانتقام على عائلة التميمي كانت آنذاك نتج عنها قتل والدتي بطريقة موجِعة، إلى جانب الكثير من الأفعال التحريضية منها التخريب والحرق" وفق محمود، مؤكدًا أن "المحاكم الإسرائيلية هي مسرح للقتل وليس للعدل، ومسرحية لإرضاء الرأي العام الإسرائيلي المتطرف، ولا أمان لعهد بين يدي العدوّ ولا لغيرِها".

وقال: "ها هو ذاته الاعتداء يتكرّر اليوم باعتقال عهد التميمي والتحريض على الحكم عليها بالإعدام وقتلها وهذا -لا قدر الله- قد يكون سببًا في استهدافِها".

عهد التميمي التي تقبع في سجون الاحتلال اليوم ويخشى الاحتلال أن يفضّح سوءاتِه ويكشف عن وحشيته أمام وسائل الإعلام المتعاطف معها؛ فيضطر لجعل محكمتها مغلقة؛ تلك الفلسطينية ترعرعت في بلدة النبي صالح برام الله، التي تعيش حالة اشتباك يوميّ مع المحتل، فكانت قنابِل غاز الاحتلال لها أنفاسًا، وصوت رصاصِه هدهدةً، ودماء شهدائه لروحِها مقاوَمةً، فيما استمدّت من عيون والدتها الأمل بحياةٍ البساتين الخضراء.

عهد لم تكن لتفارق حضن جدّتها الذي كان منصتها الدقيقة لاستقبال حكايات اعتقال والدِها باسم وتفاصيل استشهاد عمّتها باسمة، وقصص أخرى كثيرة عن النضال، لقد حُفِرت في ذاكِرتِها حكاياتُ الجّدّة وتشرّبت منها معنى "فلسطين" و"دولة الاحتلال" ليكون عهدها حقيقيًا أن تدافع وتعلن النضال.