ما الذي يربط بين حالة وظاهرة استشهاد أحمد نصر جرار من جنين بفلسطين المحتلة، وإسقاط سوريا طائرة تابعة لكيان الاحتلال، كانت تقصف مباني ومعسكرات هي ملك الشعب السوري والأمة العربية؟، إنها المقاومة الباسلة، وكسر هيبة وردع الجيش الذي بات سهلًا ردعه وهزيمته بالنقاط وفي جولات عدة، كما فعل الشهيد أحمد جرار، وصاروخ "سام 5" البسيط والبدائي، الذي أسقط أحدث الطائرات.
ما دام يوجد احتلال من الطبيعي والمنطق مقاومته، هكذا كان الأمر عبر التاريخ، وهكذا سيكون الأمر مستقبلًا حتى قيام الساعة، وعادي جدًّا مقاومة الاحتلال من قبل سوريا، كون الاحتلال يستبيح سوريا دون حسيب أو رقيب.
كما لقي الشهيد أحمد جرار تأييدًا منقطع النظير من قبل مختلف فئات الشعب العربي والفلسطيني، ومختلف قواه الوطنية والإسلامية؛ إن إسقاط الطائرة لاقى التأييد والترحاب نفسيهما، فكل ما من شأنه المس بالاحتلال وقدراته وهيبته وتمريغها في الأرض فهو يلقى الترحاب، كون محاربة الشر المتمثل بالاحتلال لا يختلف فيها اثنان.
التناقض الرئيس هنا هو مع الاحتلال، والتناقضات الثانوية كالاختلاف مع النظام السوري هو أمر آخر، لا يصح أن يخرج عن الثوابت، فالسياسة فيها متسع ومرونة واسعة لتأييد مقاومة الاحتلال بإسقاط طائراته أو المس بقدراته من أي جهة كانت، فنتفق ونعمل فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.
البوصلة التي يقبل بها الشعب العربي _ومنه الشعب الفلسطيني والشعب السوري_ هي التي تكون باتجاه الاحتلال، وليس باتجاه التناقضات الفرعية، ولو اتحد العرب ووجهوا بوصلتهم نحو الاحتلال؛ لكان الأمر مختلفًا على مختلف المستويات، وصار العالم يحسب ألف حساب للعرب والمسلمين.
أمر عادي جدًّا أن نختلف في الآراء والطرق والأساليب، وهذه ظاهرة صحية وعلمية وتاريخية، لا مناص منها، ولكن أن نختلف في العقيدة والمسلمات _ومن بينها محاربة العدو المركزي للعرب والمسلمين_ هذا لا يصح، كون الاحتلال والغرب سيغذيانه، وهو ما يحصل في العالم العربي الآن، يا للأسف الشديد!، وكأن العقل والحكمة غيبا أو في غيبوبة.
خلق الله الناس ليتعارفوا، لا ليقتل بعضهم بعضًا، وخلق الله وجعل أمة الإسلام واحدة، وليست شيعًا وفرقًا تتقاتل فيما بينها، والأمم والشعوب وجودها ليس للقتل والحروب، بل للتعارف وبناء الحياة وتطويرها لما هو في مصلحة البشرية جمعاء.
لو أجري استفتاء بين الشعوب العربية في ما قام به الشهيد جرار، وما قامت به سوريا من إسقاط طائرة الاحتلال؛ للقي الأمر تأييدًا منقطع النظير من الشعوب، سوى الحكام، دون شك، كونهم ليسوا حكام عرب ومسلمين، بل حكامًا بالإكراه والأمر الواقع.
وجود ظاهرة الشهيد جرار، وتزامنها مع إسقاط طائرة الاحتلال أسهما في رفع رصيد المقاومة، وخفضا من أسهم ورصيد كيان الاحتلال وجيشه، ودليل ذلك تخبط الاحتلال، والمعركة ستتواصل، تنتصر المقاومة وتنجح بالنقاط وتكسب جولات متتالية، حتى دحر الاحتلال، وقد يكسب الاحتلال بعض النقاط، ولكنه لن يصل إلى النصر، كون منطق التاريخ وصيرورته والسنن الكونية قضت بزوال الطارئ الدخيل وعدم ثباته وديمومته.
في كل الأحوال المعركة متواصلة، وهي فرضها الأشرار على الفلسطينيين والعرب، وليس باختيارهم، ولا تتوقف عند جولة أو جولتين، والنصر فيها لا يمكن أن يكون للباطل، ومن ظن أن الباطل المتمثل بالاحتلال سينتصر ويدوم؛ فقد أساء الظن بالله، ولم تعد لديه القدرة على فهم الأحداث وخلفياتها واستتباعاتها، ومعادلات الكون المعقدة، التي بحاجة لرؤية ثاقبة وحكمة، جعلهما الله في صفوة وخيرة عباده، وهم قادة المقاومة دون خلاف، ومن كان معه الله لا يُخشى عليه، لا هزيمة ولا غيرها.