النعمة هي طيب العيش ووسائل الراحة فيها، والنعم يسوقها الله للعباد ضمن دائرة الاختبار والابتلاء، فما من نعمة إلا والإنسان مبتلى من خلالها هل يكفر أم يشكر!؟ لذا قد تتحول النعم نفسها إلى نقم على أصحابها، وهذا بخلاف الرحمة فهي نعمة وزيادة، أو بعبارة أخرى هي نعمة دنيوية موصلة إلى نعمة أخروية في كل أحوالها...
الولد يدخل ضمن دائرة النعم في أكثر أحواله، ويدخل في دائرة الرحمة في أحوال استثنائية لعباده الصالحين، بخصوص نعمة الولد يقول الله : "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"، فالآية صنفت البنون أو الأولاد أنهم في أعلى سلم نعم الدنيا، لكن نعمة الولد نفسها قد تكون نقمة على أهلها، وقد عبر القرآن عن ذلك بقوله: "فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"، هنا تحولت نعمة المال والولد إلى نقمة ووسيلة لتعذيب أصحابها في الدنيا.
لذا نجد الأنبياء عندما طلبوا الولد لم يطلبوا النعمة إنما طلبوا الرحمة، وانتبهوا لهذا السر العظيم؛ فأعطاهم الله بحسب ما أرادوا، زكريا عندما طلب الولد طلب من يرثه ويكون رحمة من بعده في وراثة الدين والأمانة؛ لذا عندما جاءت الآيات لتتحدث عن طلب زكريا لنعمة الولد استخدمت كلمة الرحمة: "ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 2 إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا".
إنه طلب الرحمة ولم يطلب النعمة وبين سبب الرحمة: "يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا" إنه طلب الولد لوراثة الدين، طلب الرحمة فكان التصدير في أول السورة بذكر الرحمة وليس النعمة.
والأخ نعمة لكن هارون لموسى لم يكن نعمة بل رحمة: "وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا" وأبناء إبراهيم ويعقوب كانوا لدين الله؛ لذا لم يأت التعبير عنهم بالنعمة بل بالرحمة: "وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا 49 وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا".
اللهم يا رحمن يا رحيم اجعل أبناءنا وذرياتنا رحمة لنا ولأمة محمد ، هذا باب عظيم يغفل عنه الكثيرون.