كل شيء يرحل في هذه الحياة إلا ما نتركه من أثر في نفوس من مررنا بهم في زحامها. فبينما نمضي في طريق لا عودة منه لا يبقى منا غير طيب الذِّكْر.
وإني لأعجب من أناس يفنون حياتهم لزيادة وتضخيم أرصدتهم في البنوك, بينما يعلن إفلاسهم العاطفي في قلوب أحبتهم, فلا أثراً طيباً تركوا لهم ولا دفء يد حانة ربتت على ضعفهم وجراحهم يبقى.
كل القلوب حولنا مشرعة الأبواب والنوافذ لاستقبال المحبة والاهتمام والاحترام, وما علينا إلا أن نمر خلالها ونصنع لأنفسنا أرصدة نكدسها بداخلها, أقرباء كانوا أم غرباء, نترك أثراً طيباً تخفق به قلوبهم, نورثهم شيئاً من اهتمامنا يؤنسهم في طرقات الحياة المقحلة, نرسم على شفاههم بسمة تنسيهم أوجاع الحياة, نضيف لذاكرة القلوب خفقا يمدها بالأمل عند المرور بمنعطفات اليأس.
قد تصنع رصيدا من الاحترام في قلب شخص ضعيف ساندته يوما ومددت له يد العون بعلم أو عمل أو مال أو نصح أو حتى بتقبله كما هو، فتكون سببا في إسعاده، فذلك يصنع بدوره رصيد حب في القلوب، فكن أنت الأساس في بث الإيجابية فيمن حولك.
ولعل أحوج الناس إلى زيادة أرصدة المحبة والاهتمام لديهم هم أقرب الناس لنا, فعندما نفني أعمارنا في زيادة العطاء المادي لهم وننسى الرصيد الأهم تكون خسارتنا فادحة, فالعطاء المادي لا يعوض الإفلاس العاطفي أبداً مهما عظم.
أزواجنا, أولادنا, آباؤنا, أصدقاؤنا زملاؤنا، وحتى الغرباء الذين يمرون بنا مصادفة, جميعهم بحاجة لأرصدة معنوية تشدد أفئدتهم وتبعث فيهم الحياة والقدرة على التعايش والتكيف مع تقلبات الحياة.
لقد علمنا الحاجة فما علينا إلا أن نزيد رصيد الود والحب في قلوب كل من حولنا بحسن المعاملة والكلمة الطيبة وإبداء اهتمامنا واحترامنا، نصنع أرصدة في قلوب كل من حولنا، أما أرصدة قلوب أزواجنا فتحتاج اهتماما خاصا, فالزوجة أكثر الكائنات حاجة للرصيد العاطفي, فهي تمنحه بدورها لأولادها وتعيده لزوجها وأهله.
وزيادة الرصيد العاطفي لديها لا تحتاج إلى عناء, فعندما تراعي تقلباتها المزاجية الناتجة عن تغيراتها الهرمونية خاصة في فترة الحيض والحمل والنفاس, أنت تصنع رصيدا قيماً من الود لك في قلبها.
وعندما تقدر تعبها وعملها داخل المنزل وتثني على ما تبذله من أجلك ومن أجل أبنائك من مجهود فأنت ترفع أسهم حبك واحترامك لديها.
وعندما تعينها في أعباء المنزل مقدراً عملها داخله وخارجه إن كانت عاملة فأنت تزيد رصيد التقدير عندها.
وعندما ترفق بها في مرضها وحزنها وانكسارها وتتودد لها وتبذل الجهد لإضحاكها وإدخال السرور إلى قلبها فأنت تزيد رصيد انجذابها لك.
والزوجة لابد أن تصنع رصيداً كبيراً لها في قلب زوجها وبطاقة الدخول لقلبه معروفة, لكنها قد لا تكون واضحة لكثير من النساء, فرصيدك العاطفي في قلب زوجك لا يرتفع إلا باحترامه وتقديره ومنحه الثقة, والاهتمام بنفسك أولا لأنه يترجمه اهتماماً به وتقديراً لرجولته.
كما ويرتفع رصيدك العاطفي في قلب زوجك بتفهمه والابتعاد عن إثارة غضبه واحتوائه في لحظات ضعفه. وعدم مقارنته بأي رجل آخر، وأفضل الطرق لرفع رصيدك لديه هو تأكيدك على أنه الأهم لديك وعلى رأس أولوياتك وإن كثرت مشاغلك.
ما أجمل أن يكون لنا رصيد في قلوب من حولنا ولهم في قلوبنا بالمثل, حتى لو كنا مفلسين مادياً، فبما في القلوب من حب ودفء نحيا, وبانشغالنا بالسعي خلف زيادة بما في خزائن البنوك تجف عروق أرواحنا ونذبل ونموت.