أكد مختصون في الشأن الاقتصادي، أن انفكاك السلطة الفلسطينية اقتصادياً عن الاحتلال الإسرائيلي، "ليس بالأمر السهل" في الوقت الراهن، وذلك لنقص السيادة الفلسطينية على المعابر والمنافذ والموارد الطبيعية.
وشددوا على امكانية أن تحقق السلطة ما يسمى "الانعتاق الاقتصادي النسبي"، و ذلك عبر تنفيذ خطة استراتيجية طويلة الأمد مدروسة من كافة الجوانب، تستند إلى تطوير القطاعات الإنتاجية المحلية خاصة الزراعية والصناعية، لخلق منتج بديل عن المستورد لا سيما الإسرائيلي، وتوفير وظائف للعاملين في الداخل المحتل الذين يمثلون 12-15% من القوى العاملة الفلسطينية.
وكان عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد اشتية، قال في بيان، أمس، إن القيادة الفلسطينية قادرة على فك ارتباطها الاقتصادي مع الاحتلال "تدريجيا".
وأضاف اشتية الذي يشغل منصب رئيس المجلس الاقتصادي للتنمية والإعمار "بكدار" أن الانفكاك يجب أن يعكس نفسه على الموازنة العامة، من أجل تخصيص الموارد اللازمة لهذا الغرض.
ودعا إلى دراسة الانتقال إلى أي عملة أخرى غير الشيقل الإسرائيلي بما فيها العملات الرقمية.
ويستورد الفلسطينيون كافة السلع الاستراتيجية من الاحتلال كالطاقة (الكهرباء والوقود بأنواعه)، والمياه، والقمح والطحين، والغاز المنزلي.
وتسجل الموازنات الفلسطينية منذ توقيع اتفاقية أوسلو، عجزا مستمرا، كان آخرها العجز في موازنة 2017، الذي قدرته حكومة الحمد الله بنحو مليار دولار قبل التمويل.
المختص في الشأن الاقتصادي د. نصر عبد الكريم قال:" من الممكن أن يحقق الفلسطينيون انفكاكا اقتصاديا نسبيا، أي أن تكون علاقة اقتصادهم مع الاقتصاد الإسرائيلي بحدود مستوى أقل من التبعية، لكن بمفهوم الاستقلال التام عن الاقتصاد الإسرائيلي فهو غير ممكن وإن لم يكن مستحيلا".
وبين أن الانفكاك النسبي يقصد به إعادة تصويب بعض أوجه العلاقة الاقتصادية دون الحاق ضرر بفئات واسعة لهم مصالح واسعة مع الاحتلال.
وذكر أنه يمكن تحقيق الانفكاك النسبي وفق استراتيجية متدرجة تحقق ثمارها لاحقاً، ومن صورها الاعتماد على الذات بإنعاش القطاعات الصناعية والزراعية وتخصيص موازنات لها أكبر وحوافز ضريبية، ودعم منتجاتها في الأسواق المحلية والخارجية، وأيضاً تشجيع الناس على ثقافة تقبل المنتج الوطني ومقاطعة المنافس.
وأكد عبد الكريم أن الخطة الاستراتيجية من صورها أيضاً إعادة النظر في سياسة الإنفاق في الموازنة، و إعطاء الأولويات الأهمية، والعدالة بين الأفراد، فضلاً عن تنفيذ برامج تشغيل طارئة ، مشدداً على أنه كلما "وسعت السلطة من القاعدة الإنتاجية تحررت من التبعية الاقتصادية للاحتلال".
وبرر المختص صعوبة الانعتاق الكامل عن الاقتصاد الإسرائيلي، بأن العلاقات القائمة ليست طوعية، بل فعل أمر واقع، فرضه الاحتلال منذ اعام 1967، في احتلاله لقطاع غزة والضفة الغربية.
وأضاف أن اتفاقية أوسلو وملحقها الاقتصادي "باريس" لم ينجحا في اعادة صياغة العلاقة باتجاه التحلل من الإلحاق والتبعية، بل في آخر عشر سنوات، زادت السلطة الفلسطينية التبعية الاقتصادية للاحتلال بسبب سياسة الأمر الواقع المدعومة بقوة العسكر، وغياب الظروف الموضوعية.
وبين أن الفلسطينيين لا يملكون الخيارات السيادية إن رغبوا في الانفكاك الاقتصادي، حيث لا سيطرة لهم على المعابر، ومعظم الأراضي، والموارد الطبيعية، علاوة على الفصل الجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية.
وأكد أن أي قرار ارتجالي غير مدروس قطعا سيكون مردودا سلبيا على الفلسطينيين.
التبعية الاقتصادية
من جانبه أكد المختص في الشأن الاقتصادي د. عبد الفتاح أبو شكر على أن السلطة لا تستطيع الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، لأن الصادرات والواردات الفلسطينية تتم عبر المعابر الإسرائيلية، كما أن مدخلات المنتجات الفلسطينية تمر عبر هذه المعابر"
وقال:" للأسف الشديد إنه منذ اتفاقية أوسلو والسلطة تواصل التبعية الاقتصادية للاحتلال، واللافت أنها زادت في ذلك، حيث إن أكثر من 100 ألف عامل فلسطيني يعملون في الداخل المحتل ليس لديهم بدائل للعمل في الضفة إن منعوا، كما أن واردات السلطة من الوقود الذي يعد المحرك الأساس للمنشآت الانتاجية وحركة الأفراد من الجانب الإسرائيلي".
وأضاف:" كما أن الكثير من الضرائب التي يجمعها الاحتلال عن الصادرات والواردات للفلسطينيين تعتبر ممولا أساسا لخزينة السلطة لا تستطيع الاستغناء عنها، مشيراً إلى أن حجم الواردات الفلسطينية من المنتجات الإسرائيلية سنوياً يفوق ثلاثة مليارات دولار.
وعما إذا يمكن للسلطة أن تستند إلى الدول العربية كبديل اقتصادي قال المختص:" إن المنتجات العربية اليوم للأسف تنافس المنتجات الفلسطينية بالجودة والأسعار، كما أن العديد منها تسعى إلى التطبيع الاقتصادي مع الاحتلال ".