بات كنعان حزيناً لاستشهاد البطل أحمد نصر جرار إثر مطاردة قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية على مدار ثلاثة شهور. لقد رأى كنعان في "جرار" مثالاً للوطنية والشجاعة والفداء في أبهى صورها. جلس كنعان قلقاً حائراً يتفكّر فيما يجري لمقدساته في المسجد الأقصى، وما يجري لشعبه في النقب المحتل والقدس من مصادرة أراضٍ وطرد السكان، وتهويد القدس وبمساعدة قوى عظمى في العالم، وما يجري لشعبه في الضفة وغزة من ظلم الدولة التي بات يحمل هويتها رغماً عنه، وهي تنظر إليه عالة عليها وتخطط للتخلص منه ومن كل إخوانه العرب، الذين ظلوا منغرسين في أرضهم التي أقام عليها الغزاة دولة دعوها: "إسرائيل".
في الصباح الباكر قرر كنعان أن يقوم بشيء يهدئ من مشاعره الجياشة ويثأر به لمقدساته وشعبه، إلا إنه لا يملك سلاحاً ولا حتى مالاً يمكِّنه من تنفيذ أي عمل موجع ضد أعدائه، وهو ليس عضواً في تنظيم يمكنه تقديم المساعدة والتوجيه له. ولذلك قرر كنعان أن يبادر إلى بعض أعمال المقاومة السلمية البسيطة والتي لا تحتاج إلى إمكانيات مكلفة أو كبيرة، وفي الوقت نفسه يمكنها إيلام العدو.
بحث كنعان في بيته عن شريط طويل من القماش يزيد على عشرين متراً، وأخذ معه علبة أعواد ثقاب، وخرج إلى محطة الوقود بقربه في مدينة حيفا، فاشترى لتراً من البنزين، فوضعه في حقيبة صغيرة، وتوجّه صوب موقف سيارات قريب من المكان. اندسّ بين السيارات وأدخل طرف شريط القماش في داخل فوهة خزان الوقود لإحدى السيارات، ثم كرر العمل مع سيارة أخرى تبعد عنها بمسافة حيث تقع بين السيارتين مجموعة أخرى من السيارات، ثم أشعل الشريط من منتصفه، وهرب مسرعاً. بعد دقيقتين انفجرت السيارتان ودمرتا المكان. لقد نجح كنعان في تدمير أكثر من 15 سيارة دفعة واحدة.
توجّه كنعان صوب مصنع ملابس يقع في طرف المدينة، وبخفة وصل إلى محيط مخازن المصنع. التقط قطعة قماش طويلة وأشبعها بالبنزين، ودس طرفها من خلال إحدى نوافذ المخزن بواسطة قضيب من الحديد وجده في المكان، حتى وصل إلى حزمة من البضائع، فأشعل الطرف الخارجي وهرب مسرعاً. في دقيقة دبّت النار في المخزن محققة خسائر بملايين الشواكل.
وبسرعة وصل كنعان إلى أقرب سوبرماركت في المكان، فدخله واقتاد عربة تسوُّق وأخذ يجمع المعلبات كأنه متسوِّق، أخذ عبوة كبيرة من الزيت وثقب أسفلها بميدالية في جيبه، ووضعها في العربة، فأخذت تسيل وتملأ ممرات المحل بالزيت، حتى إذا مرّ على معظم الممرات، ترك العربة وخرج من المحل. بعد ربع ساعة هُرعت سيارتا إسعاف إلى المحل، حيث انزلق رجل وامرأتان بذلك الزيت، فارتطموا برفوف البضائع التي انهالت عليهم، فأصيبوا بكسور وجروح وإغماء، ونُقلوا إلى المستشفى.
عاد كنعان إلى بيته منفرج الأسارير، منشرح الصدر لما وُفِّق إليه من أفعال أضرّت بالاحتلال وزرعت بينه الهلع. وقرر أن ينفِّذ جملة من الأعمال المشابهة في كل يوم.