ما حصل مع الشهيد أحمد نصر جرار صباح، أمس، في بلدة اليامون قرب جنين هو أمر عادي ومتوقع، وهو بالنتيجة النهائية انتصر بالنقاط على الاحتلال، صحيح أنه رحل مبكرًا، لكن ترك خلفه دروسًا وعبرًا غزيرة، وفاز بالشهادة، وإن كان كل أحرار وشرفاء الشعب الفلسطيني تمنوا أن يطيل الله في عمره أكثر حتى يذيق الاحتلال أكثر وأكثر، ومن الكأس نفسها التي يذيقونها للشعب الفلسطيني صباح مساء.
فاز جرار في كل الأحوال والحسابات، فقد أعاد حكايات وقصص المطاردين الأبطال الذين كانوا يوجعون الاحتلال خلال الانتفاضتين، وأعاد فكرة أنه بإمكان الشاب الفلسطيني العادي التغلب على منظومة الاحتلال الأمنية، بتفكير عادي وبسيط وتخطيط سليم، وأن الهالة والعظمة اللتين تحيطان بالاحتلال خداع وكذب.
شهر كامل والاحتلال يبحث دون جدوى، من "جيش لا يقهر" وطائرات استطلاع وكاميرات، وعملاء، واستخبارات، ووحدات خاصة، واتصالات (...)، استطاع التغلب عليها الشهيد أحمد جرار دون خوف أو جزع أو تردد.
شعار أحمد كان: نستشهد أو ننتصر، فلا مكان لغير ذلك، ولا يوجد ما يمكن أن يعيش الإنسان لأجله مع احتلال ظالم غاشم، سوى مقاومته، وقد يكون منفذ عملية مستوطنة (آرئيل) استقى الإلهام من الشهيد أحمد جرار، فالنجاح يتبعه نجاح آخر.
قياسًا بحجم الخسائر الذي خسر هو الاحتلال مع وصوله إلى الشهيد أحمد وتمكنه من اغتياله، فجرار فاز بالشهادة الموصلة إلى الجنة، واستطاع أن ينال من الاحتلال ويوجعه، "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون".
دولة مصطنعة، وجيش "لا يقهر"، وجهود كبيرة من جيش الاحتلال نجحت في جولة من الجولات، لكنها كانت بطعم الهزيمة، أمام نجاح الشهيد أحمد مدة شهر من المطاردة، وفشل الاحتلال في ثلاث جولات، فالرعب والهوس طالا كل أركان الاحتلال، من شاب فلسطيني واحد فقط، فكيف لو كان هناك العشرات من جرار؟!
أكبر نجاح حققه الشهيد أحمد جرار هو تخطيطه لعمليته ثم تنفيذها، ثم انسحابه، ولاحقًا أفشل ثلاث محاولات لاغتياله، وهنا وجه رسالة إلى المقاومة، مفادها أن منظومة الاحتلال الأمنية ضعيفة وهشة، وليست بالصورة النمطية السائدة عنها، بقليل من الحكمة.
ووجه رسالة إلى الاحتلال أن لا بقاء لكم فوق هذه الأرض، وإن دعمكم "ترامب" وكل دول الغرب، لأن ما بني على باطل فهو باطل، وغدًا سيخرج شباب من المقاومة يتعلمون من هذه التجربة ويطورنها، فليس أمام الاحتلال سوى الرحيل وحقن الدماء.
الشهيد جرار ليس هاوي عمليات ولا قتل، ولكن ما دفعه إلى ذلك هو ممارسات الاحتلال، وهو كان شابًا وسيمًا خلوقًا فتحت الدنيا له ذراعيها، لكنه آثر الآخرة، في محاولته رفع الظلم عن شعبه، وفاز بما كان يتمنى.
ما دام الاحتلال جاثمًا فوق الأرض الفلسطينية، وما دامت قيادات كيان الاحتلال لا تفكر في سوى سفك المزيد من الدماء، وأن القوة وحدها يمكن أن ترضخ الشعب الفلسطيني؛ إن شلال الدماء لن يتوقف، والمسئول الوحيد هو الاحتلال ومن يدعمه، لا الضحية التي لا حول لها ولا قوة سوى أسلحة خفيفة تدافع بها عن نفسها.