شعرت أن علاقتها بربها قد اشتد رباطها بعدما حفظت كتاب الله، فأرادت أن تقوي هذه العلاقة أكثر بارتداء النقاب، خاصة أنها ترى أنها لم تعد صغيرة على اتخاذ مثل هذا القرار الكبير، وأنه أمر شخصي بحت لا علاقة لأحد به، لكن موقف أهلها كان مختلفا تماما عن توقعاتها، فهي غير متزوجة، والنقاب سيعيق ارتباطها.. هذا ما قاله لها والداها، وهو نفس المنطق الذي يؤمن به العديد من الآباء والأمهات، فبعض الأفكار التي لا تخالف ديننا الإسلامي، ولا تتعارض مع عادات المجتمع وتقاليده، قد تكون مغايرة لقناعات الأهل، كتوجه الفتاة لارتداء النقاب قبل زواجها، فهذا أمر يرفضه بعض أولياء الأمور لأنهم يرون النقاب سببًا في الحيلولة دون خطبة ابنتهم..
أكثر تمسكًا بالقرار
قالت دعاء صالح (23 عامًا) عمّا واجهته: "بعدما حفظتُ القرآن، قررت أن أرتدي النقاب، ولكن بمجرد أن أخبرت أهلي برغبتي شعرت وكأني دققت طبول الحرب، فالأسرة كلها عارضت فكرتي، خاصة أمي وأبي".
وأضافت: "كنت أعتقد أن أمي لا توافق على هذه الخطوة حتى لا أتقيد، ولكن فوجئت بأنها تطلب مني الانتظار حتى أتزوج، على اعتبار أن عدم ظهور وجهي سيحول دون تقدم الناس لخطبتي لكونهم لا يروني، وربما من يراني لا يستطيع التفريق بيني وبين المتزوجة، أما أخي الذي اعتقدت أنه سيقف في صفي لغيرته الشديدة عليّ، رفض أيضا، إذ يرى أن النقاب سيقيّدني وقد أخلعه لاحقا".
هذه الأسباب أحبطت الشابة دعاء، ولكنها في ذات الوقت جعلتها تتمسك بقرارها الذي اتخذته عن قناعة، دون الالتفات لفكرة أن النقاب قد يؤخر الزواج، وفي نهاية المطاف لم يتمكن أهلها من ثنيها عن تنفيذ قرارها.
النقاب = عدم الزواج
"إن ارتديتِ النقاب فلن تتزوجي، وسيعتقد من هم حولك بأنك فتاة معقّدة ولن تقبلي إلا الارتباط برجل متشدد دينيًا، وأنت لا تزالين في مقتبل عمرك فلماذا تحكمين على نفسك، فالنقاب بالنسبة للناس هو للكبيرات في السن فقط، ويظنونه سببا للابتعاد عن الأقارب"، هذا ما قاله أهل "سهاد أشرف" (20 عامًا) لها لإقناعها بعدم ارتداء النقاب.
وقالت سهاد: "الكثير من الضغوط تُمارس على الفتاة المنقبة قبل الزواج لثنيها عن هذه الخطوة"، مضيفة: "الجميع يؤمن بأن الزواج نصيب ورزق من عند الله، فلماذا كل هذه المخاوف والضغوطات التي نخضع لها من قبل البعض في المجتمع؟".
أما والدة "صابرين" التي ثارت ثائرتها بعدما عرفت بقرار ابنتها بارتداء النقاب، فقد حاولت مرارا وتكرارا إقناعها بالعدول عن الإقدام على هذه الخطوة، والسبب هو خوف الأم من تأخر زواج ابنتها.
وقالت صابرين: "شعرت بشبه مقاطعة كلامية من قبل من حولي بسبب قراري، وحاولت والدتي استغلال الموقف والحديث معي وأنا تحت هذا الضغط، وأرادت أن تقنعني بأن النقاب قد يؤخر زواجي، أو أنه قد يصبح موضع خلاف مع من سأرتبط به، وطلبت مني أن أؤجل تنفيذ هذا القرار إلى ما بعد الزواج".
موروث ثقافي
وفي السياق ذاته، قال الأخصائي الاجتماعي حسام جبر: "في الأصل مسألة ارتداء النقاب عليها خلاف من ناحية شرعية، ولكن هذه القضية الدينية عندما يتم ربطها بقضية اجتماعية وهي الزواج وتأخره، فيكون لها أكثر من جانب، وتجعلنا نفكر في كيفية تشكل هذا الوعي لدى البعض".
وأوضح في حديثه لـ"فلسطين" أن بعض الأسر لا تنظر لارتداء الفتيات فيها من الناحية الشرعية، ولكن من منطلق الاعتقاد بأنه سوف يكون عائقًا أمام تعرف الناس على الفتاة، ومواصفاتها، وأنه يجعلهم يظنون أن المرتدية له متزوجة فلا يتقدم لخطبتها أحد، ما يجعلهم يعتبرونه مانعًا أمام زواج الفتاة، مبينا: "البعض يعتبر أن التزام الفتاة بالنقاب سيفرض عليها العيش في عزلة اجتماعية، وفي حال لم يحالف الفتاة الحظ بالارتباط سيكون له تأثير ذهني سيئ".
وقال جبر: "الثقافة المزروعة في مخيلة البعض بشأن العلاقة بين النقاب والزواج مرفوضة، وهذه المشكلة الثقافية وُجدت في أذهان الناس بحكم حياتهم والأنماط التي عاشوا عليها، والأفكار المسبقة التي نشؤوا عليها فيما يتعلق بنظرتهم للفتاة".
وأضاف: "لابد من مراجعة هذا الموروث التاريخي من قبل الإعلاميين والأخصائيين والتاريخيين، وينبغي العمل على تشكيل الوعي الكافي لدى الناس إزاء ذلك، لأن النقاب من الأمور الخاصة والذي ليس له علاقة بالزواج، وكذلك على الأهل تقبل الأمر".
وأكد جبر: "على الفتاة أن تتعامل بعقلانية مع هذا الأمر، وأن تقنع أهلها برغبتها من خلال ضرب أمثلة كثيرة عن فتيات منقبات تزوجن دون أن يكون النقاب عقبة أمامهن، ولم يحل بينهن وبين ممارسة الحياة بأشكالها المختلفة، مع الالتزام بالصدق لتتمكن من إقناعهم".