لطالما احتاج الناس للتواصل لمعرفة أخبارهم والاطمئنان على بعضهم البعض. ولقد كانت وسائل التواصل الاجتماعي قديماً هي اللقاءات المباشرة بين الناس, فكانت صلة الأرحام التي قد تتباعد مدتها لبعد المسافات بين الناس, وكان يذاع صيت الناس لأهميتهم وارتفاع شأنهم.
لكن التطور التكنولوجي وثورة التواصل الاجتماعي قلب كل الموازين، فقد أصبح العالم الكبير قرية واحدة تصل إليها بضغطة زر. وأصبحت إمكانية التواصل متوفرة فتلاشت المسافات بين الناس وأصبح التعارف والبوح من خلف الشاشات ممكناً وبدون حرج، فأصبح التعبير عن مشاعر الحب والاهتمام سهلاً سريعاً، وما عاد الأحبة بحاجة لحمامٍ زاجل ولا ساعي بريد, هي فقط ضغطة زر.
التعبير عن الذات حق يحتاج تدريب
تعتبر المشاعر والانفعالات أول وسيلة للتواصل الاجتماعي عند الطفل، وإذا كبر الطفل ولم يمنح الفرصة الكافية للتعبير عن مشاعره وانفعالاته فإنه لن ينجح في التواصل مع هذا العالم، ولن يتناغم معه وهو يوصد باب البوح في وجهه.
هذا وتغفل الكثير من الأسر عن إعطاء أفرادها الفرصة للتعبير عن أنفسهم ومكنوناتهم والبوح عن مشاعرهم مهما كانت ثم التدرّب على ضبطها وتوجيهها. وتكتفي الأسرة بتعليم أبنائها الصواب والخطأ، وتركز على إبعاد أفرادها عن ارتكاب الخطأ.
إننا لو عجزنا كبشر في مجتمعات غير منصفة للفرد بالتعبير الجيد عن أنفسنا والمطالبة بحقوقنا في الاحترام والاهتمام والحب سنظل ندور في دوائر مغلقة لا تفضي لاستقرار ولا لسعادة.
قانون التواصل في العالم الافتراضي
لقد منح العالم الافتراضي الفرد مساحة للإعلان عن ذاته, وإنشاء محتوى وعرض مشاعره وأفكاره وخططه وأحلامه بكل حرية, ولهذا نجد المعظم في سعي دؤوب لإبراز أفضل ما لديهم وعرض الأفكار والصور لجذب الاهتمام، وحصد الإعجاب سواء من أشخاص معلومين لديه أو حتى مجهولين.
إن هذا الفضاء الافتراضي فتح أبواب الثقة للكثير من الناس فنراهم أدمنوا الجلوس على هواتفهم ليس بحثا عن المعرفة بقدر البحث عن الاهتمام والإعجاب وتعزيز الذات ولو بإشارة إعجاب.
مساحة مفقودة على أرض الواقع
إن من أخطر المهددات للعلاقات الزوجية هي وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت في أهميتها تغلب العلاقة الزوجية والأسرية وتسحق في امتدادها وتوسعها ساعات التواصل الحقيقي بين الزوجين المنشغلين في التعبير والبوح وإثبات الذات وجذب الاهتمام والاحترام والإعجاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وليس من خلال التناغم والانسجام والمودة بينهما، فزاد البعد بينها وكبرت الفجوة واغتربا عن بعضهما, وقد يصل بهما المطاف للشقاق والانفصال.
ولهذا وجب التنبيه إلى أهمية منح الزوجين لبعضهما فرصة التقارب والتحاور وإبداء الاهتمام بمشاعر وانفعالات وطموح الآخر.
الحب في العالم افتراضي
منذ أن صار التعارف عبر العالم الافتراضي ممكنا ومتاحا, والمجتمع يسجل العديد من حالات الزواج الناجحة التي بنيت على التعارف الصادق والتناغم الجيد من خلال الحوارات المطولة التي دارت بين المهتمين باختيار شريك الحياة بطريقة عقلية.
ومثلما كانت هناك زيجات ناجحة بفضل التواصل الجاد عبر العالم الافتراضي, فقد أسهم هذا التواصل في إبراز الفجوة الحقيقية بين الأزواج المفتقرين إلى الحوار الحقيقي في العالم الحقيقي.
فجوة العالم الحقيقي
ولا غرابة أبداً عندما نرى العديد من القصص على وسائل التواصل الاجتماعي التي تحكي تفاصيل تنافر الأزواج في الحياة الواقعية, بينما ينسجمان عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهما يجهلان الهوية الحقيقية لكل منهما, وعند اللقاء يتفاجأ كل منهما أن ذاك الشخص الذي أعجب به وتنامت مشاعر تجاهه في العالم الافتراضي هو ذات الشخص الذي يعيش معه في ذات البيت وتحت نفس السقف, وقد يكون لهما عدة أبناء.
ولا غرابة أيضاً إن كان ذلك الشخص على الطرف الثاني من الضفة الافتراضية زوجاً للآخر في يوم ما، وانفصلا لعجزهما عن التواصل والتفاهم والتناغم في الواقع.
إن أهم ما علينا الانتباه له هو الوظيفة الحقيقية لهذا العالم الافتراضي وهي التواصل الذي نجيد ممارسته عبر الفضاء الأزرق ونخفق في تحقيقه على أرض الواقع.