يرى عدد من المعاصرين أن الحجاب لم يعد ملائمًا للعصر، ولا لمكانة المرأة وتحررها واقتحامها لكافة مجالات الحياة العامة من مدراس وجامعات ومعامل وإدارات وأسفار وتجارات، لأن هذا الحجاب يعوق حركة المرأة ويعرقل مصالحها, فهل هذه الدعوى صحيحة من جهة تحقق المصلحة أو عدمها؟
ليست هناك أي مصلحة حقيقية راجحة يعوقها الحجاب ويفوتها، والواقع المعيشي والمشاهد في العالم كله الإسلامي والغربي أصبح اليوم يشكل أبلغ رد على كل ما يقال عن السلبيات المدّعاة للحجاب، فلم يعد الحجاب قرينًا للجهل والأمية والخنوع والتخلف، بل أصبح في حد ذاته رمزًا للتحرر والتمسك بالحقوق والمبادئ، ورمزًا للصمود والمعاناة في سبيلها، وهي رمزية لم تكن له فيما سلف يوم كان شيئًا عاديًا يقبله الجميع ويسلم به الجميع.
وهذا فضلًا عن كون ذوات الحجاب يوجدن اليوم بجدارة وكفاءة في كل موقع من مواقع العلم والعمل الراقية المتقدمة، ولا يختفين إلا من المواقع التي يُمنعن منها أو لا تليق بكرامتهن وأخلاقهن.
إن الحجاب تظهر قيمته ومصلحته اليوم أكثر من أي وقت مضى، وبيان ذلك أن المرأة اليوم تنجرف مع تيار كاسح يكاد يختزل المرأة وقيمتها ودورها في الجسد المزوّق المنمق المعروض في كل مكان، والمرأة ـــ على نطاق واسع وَعَتْ أو لم تَعِ قصدت أم لم تقصد ـــ واقعة هي أيضًا في فتنة الجسد وفي فتنة اللباس، أو بعبارة القرآن الجامعة في فتنة التبرج، وجميع المتبرجات ـــ من حيث يدرين أو لا يدرين ـــ هن عارضات أزياء وعارضات أجسام، وكثيرات منهن يعشن يوميًا ـــ وكلما خرجن إلى العموم ـــ في منافسة استعراضية لا تنتهي في الشوارع والإدارات، في الشواطئ والمنتزهات، وفي المدارس والجامعات، في المناسبات والحفلات.
والحقيقة أن الذي أصبح يعوق المرأة عن رقيها وتحررها وعن دراستها وعملها ليس الحجاب، بل الانغماس في التبرج والتزين، والهواجس الاستعراضية، هذا هو الواقع الرديء الذي تنجرف إليه المرأة انجرافًا يخرج بها ـــ أو يهبط بها ـــ من التكريم إلى التجسيم هو الذي يقف اليوم في وجهه اللباس الإسلامي الذي يمنع المرأة من الانزلاق في المنحدر المذكور، ويمنعها من أن تصبح مفتونة أو فاتنة بجسمها وأعضائها أو بلباسها وحليها، أو بأصباغها وعطورها، أو بمعاملاتها وعلاقاتها.
إن اللباس الجدي الساتر المتعفف المعتدل المتواضع أصبح اليوم ضرورة لوقف انحدار المرأة، ومساعدتها على الرفع من قيمتها وهمتها، وعلى استعادة كرامتها وتوازنها، وتلك هي المصلحة حقًا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا