لم يعد ثمة مجال للتشكيك بعمق المرجعية الدينية في السياسة الأمريكية في كل ما يتعلق بفلسطين على قاعدة الالتحام الكامل بالجدار الإسرائيليْ، ولم تعد ثمة أقنعة دبلوماسية تخفي هذا الأمر، وأدركنا جميعا أن المرجعية العلمانية للدولة الأمريكية تستند إلى ثقافة توراتية متعصبة سياسيا، والسلوك السياسي الأمريكي القديم والحديث في موضوع القدس يكشف الأمر تماما.
هذه اللغة التوراتية التي جعلت مايك بنس نموذجا (إسرائيليا) مثاليا لا يجاريه في ولائه أي حاخام يهودي متشدد، أظهرت لنا سوء تقديرات المفكرين العروبيين والبلديين بأننا في صراع تحرر وطني أو قومي فحسب وأن الحرب ليست دينية.
ولم تكن تصريحات بنس يتيمة، فقد سبقتها بحار من التصريحات المجنونة التي كتبت في مجاميع ومدونات أكاديمية وشعبية وصحفية منذ ولادة العلاقة مع الكيان الصهيوني.
لم نعد في ترف الآن لتدوير المشهد على غير ما هو عليه في الحقيقة، فيجب الآن وصف الصراع بأنه ديني ووطني وقومي، وأن العدو يستخدم تميمة الدين في تمكين احتلاله وتحقيق حلمه التوراتي.
ليس معنى ذلك أن العدو متدين؛ ولكن معناه أن العدو له ثقافة ومرجعية دينية عميقة تحولت إلى هوية يعتقدها العلماني والمتدين والمحافظ والملحد واليميني واليساري.
وبهذه التركيبة استطاعوا تفكيك التناقض بين المتدين والعلماني في الجانب السياسي المتعلق بتمثيل الهوية في كيان الدولة المعبر عن العودة لأرض الأجداد، وتحقيق حلم العودة إلى أورشليم، وظهور المسيح المخلص.
هذا يستدعي منا إعادة الاعتبار للثقافة الدينية في مواجهة هذا الفكر المتطرف الذي يستدعي الدين والتاريخ بقوة بالغة، وإعادة رسم قيم المواجهة على هذا الأساس، وتكبير مشهد الصراع، وفتح جبهات الإسناد كما فعلت عقيدة "تل أبيب" باستدعاء أكبر دولة في الأرض من وراء المحيطات.
هذه الأرضية في المواجهة هي القادرة على تحسين ظروفنا النضالية وإسناد جهادنا في الميدان واحتضان مقاومة شعبنا.
هذه الأرضية الدينية لا تتعلق بالمتدين والمحافظ بل بكل التيارات الليبرالية واليسارية والعلمانية، المؤمنة بضرورة طرد المحتل وتحرير فلسطين، ففكرة وجوب التحرير وطرد الاحتلال ومواجهة الظلم؛ فكرة دينية عميقة الجذور كما هي فكرة تحررية مطْلقة.
ولهذا التفكير مبرران كبيران:
فهل نعيد التفاهم بيننا في هذه الأمة المكلومة لنحمي أنفسنا وتنطلق القوة التي بداخلنا في اتجاهاتها الصحيحة!