تتواصل حرب "الإبادة الجماعية" التي يشنّها الاحتلال "الإسرائيلي" على قطاع غزة المُحاصر لليوم الـ 363 على التوالي، وسط قصف جوي ومدفعي، وتنوع في أساليب القتل والفتك، بدءًا من قصف البيوت والتجمعات والمستشفيات وصولًا إلى حرب التّجويع التي تعمّد الاحتلال شنّها بعدة أساليب "غير أخلاقية"، إلّا أن مخططاته الخبيثة جوبهت بثبات وصمود أسطوري سطّره أبناء شعبنا الصّامد.
وفي تجلّيات معاني الثّبات المتعددة، كتب د. أسامة الأشقر:
1 أظهرُ معاني الثبات تكون عند اللقاء والاشتباك، ولكن ثمّة مظهراً آخر يخفى على الناس نتيجة طول العهد أو الغفلة، وهو مظهر الاستدامة على هذا الثبات.
2. وهذه الاستدامة ليست واجبةً على أهل اللقاء فحسب، وإنما وجوبها يتصل أيضاً بالبيئة الحاضنة المؤيّدة لأهل الثغر التي قد يصيبها التردد والضعف لما يظنونه من تأخّر النصر في حساباتهم، واستعجال الظفر المادّي.
3. إنّك عندما تكون مسانِداً ناصراً للحقّ في أول الأمر فإن هذا لا يعفيك من لزوم هذا الإسناد حتى أداء الأمر وظهور عاقبته، فاستدامة الثبات في مواقفنا وإسنادنا وإعلامنا ودعائنا ونشاطنا قضيّة حيوية ملحّة، ضروريّة البقاء، لا تستوي نهايات الأمور إلا بوجودها.
4. وهذا يجعلنا أمام مسؤوليّة شديدة الوجوب بأن نعيد التأطير لهذا الثبات، ونجدّد الضخّ فيه بموارد الحياة ودواعي القوّة، ونفتتح له المبادرات الأحسن، ونمكّن الوسائل الأنجح، ونبتدع وسائل أخرى لتمديد الإسناد وزيادة فاعليته.
5. إن التقصير في مواقف الثبات وحرمانها من الاستدامة انتكاسة تعيد الأمور إلى بداياتها الصعبة، وتعقّد قدرات التطور التي كانت بحاجة إلى المتابعة والمواكبة وليس إلى الترك والغفلة .
6. هذه الحاجة إلى الاستدامة تتطلّب الآن من مفكّري التنمية وصنّاع المبادرات أن يصوغوا لنا الأطر التي ينبغي للأنصار أن يتحركوا فيها، وتتطلب من ذوي الأهليّة للإسناد والتمويل والصناعة والإنتاج أن يضعوا فيها مجدداً قدراتهم الاستثماريّة، وأن يعْمروها أكثر مما عمَروها أول مرّة، وأن يعيدوا إثارة أرضها وقدراتها، وأن يكونا أكثر قوّةً فيها، وأن يستديموا الثبات في موقفهم الناصع الأوّل، وألّا يتركوا الزمام.
7. تأمّل قول سيّدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، وتدبَّره ثانية، وستعرف معنى الاستدامة والثبات فيها حتى آخر لحظة: (إن قامت السّاعةُ وبيد أحدكم فَسِيلة، فإن استطاع أن لا يقومَ حتى يغرسَها فليفعلْ).
8. وتذكّر دائماً توجيهه الواضح: (مَن كان معه فضلُ ظهرٍ فلْيَعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضلٌ من زادٍ فليعدْ به على من لا زاد له) فهذا محلّه الأوجبُ.
9. وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (وكان آلُ محمّد صلى اللَّه عليه وسلم إِذا عَمِلُوا عملاً أَثْبَتُوهُ) أي لزِموه وداوموا عليه، "وكانت عائشة إذا عَمِلت العمل لزمته".