فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

الدّفاع المدني: لا نستطيع الوصولَ إلى مئات المفقودين تحت أنقاض منازلهم في شمال قطاع غزّة

"أمْطرتْها بالرَّشَّاشات والقنابل اليدويَّة".. القسَّام تشتبكُ مع جنود الاحتلال وتوقعهم قتلى وجرحى في معارك شمال غزَّة

حماس: جرائمُ الاحتلال وإعدامه شابًا وطفلًا في يعبد القسَّام سيزيدُ من إصرار شعبنا على المقاومة

تحقيقٌ لـ"هآرتس" يكشف تفاصيلَ إصابة الأسرى الفلسطينيين بمرض "سكايبوس" خلال الأشهر الأخيرة!

الأونروا: الحصول على وجبات الطَّعام في غزَّة أصبح مهمةً مستحيلة ولا بُدَّ من فتح كامل للمعابر

الحالة الجوية لطقس فلسطين اليوم 25 نوفمبر

كيف تشكّل أوامر اعتقال "نتنياهو وغالانت" خطرًا على الاقتصاد "الإسرائيلي"؟ تقارير عبرية تكشف

أسعار صرف العملات مقابل الشيكل في فلسطين اليوم 25 نوفمبر

آخر التَّطوُّرات.. حرب "الإبادة الجماعيَّة" تدخلُ يومها الـ 416 تواليًا

رؤساء بلديَّات الاحتلال: نعاني أوضاعًا اقتصاديَّة صعبة و"تل أبيب" سجَّلتْ "فشلًا ذريعًا" في توفير الأمن

​مؤسسة الحق: أرسلنا بلاغًا للنائب العام للتحقيق وهناك دلائل تؤكد

أجهزة أمن السلطة تتجسّس على مكالمات المواطنين.. محاكاة لـ"الشاباك"!

...
غزة - يحيى اليعقوبي

لطالما عهد الفلسطينيون على أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي مراقبتهم وملاحقتهم بشتى الوسائل والأساليب وعلى وجه الخصوص رجال المقاومة منهم، لكن حقًّا ما يثير الاستغراب هنا أن من يقوم بهذا الدور هي أجهزة أمن السلطة الفلسطينية خاصة جهازَي "الأمن الوقائي" و"المخابرات".

فقد نشر ضابط فلسطيني، كان يعمل في "وحدة المراقبة الإلكترونية" بجهاز الأمن الوقائي في رام الله، تسريبات مرفقة بالصور والوثائق والأسماء، شارحًا فيها طبيعة دور جهازي الأمن الوقائي والمخابرات، في تنفيذ مشروع قدمه مسؤول الأمن الوقائي "زياد هب الريح" إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) لطلب التمويل الكامل للتنصت الإلكتروني في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) ومراقبة مكالمات صادرة وواردة لقيادات رفيعة في فصائل المقاومة الفلسطينية ذكرهم الضابط بالاسم.

وقال الضابط في تقريره المسرب الذي نشر على وسائل إعلام محلية ومواقع تواصل اجتماعي: "يا أهلي.. إنني أعلن توبتي"، كاشفًا أن الشروط الأمريكية على تمويل المشروع، تضمنت أن يكون المشروع بإدارة مشتركة بين الوقائي والمخابرات، وأن تقوم كل جهة أمنية بترشيح عدد من الأشخاص لا يتم اعتمادهم إلا بموافقة (CIA)، التي تقوم باختيار أدوات وبرمجيات التجسس، في المقابل تقوم أجهزة أمن السلطة بتذليل كل العقبات التي تعترض طريق تنفيذ المشروع.

وبين الضابط أن أجهزة التجسس والمتابعة لديها القدرة على تسجيل صوتي للمكالمات الهاتفية الصادرة والواردة من أرقام الهواتف الثابتة والمحمولة الموضوعة قيد المتابعة، واستخراج تفريغ ورقي للمكالمات، وتسجيل كلّ المحادثة من خلال برامج المحادثة الموجودة على أجهزة الحاسوب والهاتف المحمول مثل "سكايب وفايبر وما شابه"، وتحديد دقيق لمكان الشخص المستخدم للأجهزة المتابعة.

وكشف الضابط الفلسطيني عن أسماء المتورطين في هذا المشروع من جهازي "الأمن الوقائي" و"المخابرات"، موضحًا أن العاملين في "وحدة المراقبة الإلكترونية"، كان لهم دور كبير في تقديم معلومات للاحتلال الإسرائيلي عن المقاومة الفلسطينية في حرب 2014م، مقابل تلقيهم دعمًا ماليًا للمشروع من الولايات المتحدة يبلغ 70 ألف دولار فضلًا عن رواتبهم التي تدفع لهم من وزارة المالية برام الله.

بلاغ للنائب العام

المستشار القانوني لمؤسسة الحق الدكتور، عصام عابدين، ينظر بخطورة لما نشر من تسريبات.

وبعدما أشار التقرير المسرب إلى قيام أجهزة الأمن بالتنصت على مواطنين وشخصيات سياسية وإعلاميين وأعضاء نقابة المحامين، قال عابدين إن نقابة المحامين أكدت صحة التسريبات.

وأشار إلى وجود ما وصفها بـ"دلائل قوية" تؤكد صحة جوانب ما ورد في التقرير المسرب.

وتابع: "هناك أساس قوي للقول بأن هناك عمليات تنصت جرت باستخدام أجهزة متطورة تقوم بمراقبة المكالمات وتسجيلها"، عادًا ذلك "إجراءً خطيرًا تستخدمه أنظمة غير ديمقراطية، وهي جريمة مخالفة للقانون الأساسي الفلسطيني وللمعايير الدولية".

ووصف هذا العمل بأنه "مشين يمس بالمبادئ والقيم الأخلاقية، والمعاهدات الدولية التي انضمت إليها السلطة الفلسطينية، وتصل عقوبة السجن فيها إلى ثلاث سنوات".

وتابع: "طالبنا الجهات الرسمية بتوضيح موقفها مما نشر"، مشيرا إلى أن مؤسسة الحق أرسلت بلاغا للنائب العام الفلسطيني للتحقيق بما ورد في التسريبات.

وبين عابدين أننا "أكدنا في البلاغ أن نقابة المحامين أكدت بدورها تلك المكالمات، وطالبنا النائب العام بالتحقيق فيها ومحاسبة من تورط بتلك الجرائم".

ولفت إلى أن مؤسسته تعمل على عقد لقاء مع رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله، لتوضيح موقف حكومته، كما تعمل على عقد لقاءات موسعة مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني لإبقائها حاضرة.

وقال: "ننتظر إجراءات التحقيق للنائب العام وسنقوم بإرسال ملف خاص عن نتائجه للمقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بالحق واستخدام الآليات الدولية بهذا الخصوص".

نقابة المحامين مستهدفة

بدوره، أكد رئيس نقابة المحامين الفلسطينيين جواد عبيدات صحة ما ورد في التقرير المسرب، لكن نبه إلى أن "الكثير مما ورد من مكالمات جرت بينه وبين محامين حُرفت عن مضمون الحديث الذي تم، من خلال إضافة حديثٍ يهدف للنيل من النقابة، خاصة بعدما قادت حراكا مؤخرا أمام مجلس الوزراء برام الله ضد سياسة أجهزة أمن السلطة".

واعتبر عبيدات خلال حديثه لصحيفة "فلسطين" أن التنصت عمل جبان ومشين، مشيرا إلى أن النقابة ستتوجه للنائب العام الفلسطيني لتقديم شكوى بهذا الخصوص، باعتباره ينتهك الحقوق والحريات.

وقال: "لم تحدث هناك أي سابقة بهذا الخصوص".

ولفت النظر إلى أن "هناك محاولات للنيل من هذا الصرح الذي لم يخضع ولم يلبِّ الطلبات، ولم يعمل كما يشاء البعض"، في إشارة إلى السلطة وحكومتها.

وأضاف أن هناك جهات ترغب في أن تعمل نقابة المحامين بالطريقة التي تريدها بالتناغم مع قراراتها، بعد حراكها الذي انتقد أجهزة أمن السلطة، التي خالفت القانون وخرجت عن قوانين حقوق الإنسان، وأن الكلام لم يرُق لهؤلاء وأدى إلى تسريب المكالمات بالصيغة والمضمون والتحرير.

وحذر من خطورة موضوع التنصت، "لأنه لا يمكن التنصت إلا بإذن قضائي في وضع جنائي خطير"، معتبرا عملية التنصت التي تمت "طريقة غير قانونية خارجة عن أي مبدأ قانوني أو إنساني، تتحمل شركة جوال والنائب العام المسؤولية في عملية التحري والكشف عن الجهات التي حصلت على خطوط المراقبة"، وفق قوله.

خارج إطار القانون

وبهذا الصدد، يقول الخبير في أنظمة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الدكتور ناجي الظاظا: "إن التنصت على أي هاتف لا بد أن يكون بسند قانوني وبموافقة النائب العام، لكن التسريبات أكدت أن كل عمليات التنصت تمت خارج إطار القانون بتجاوز المحددات التي وضعت من النائب العام، وتتم بشكل استخباري تمس خصوصيات المواطنين، لأننا نتحدث عن شعب ومقاومة مستهدفة".

ويضيف الظاظا لصحيفة "فلسطين": "أن يحصل الاحتلال على نسخة من هذه التسجيلات سواء عبر وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) أو عبر التنسيق الأمني (بين أجهزة أمن السلطة والاحتلال الإسرائيلي) فهذا يمثل تهديدًا للأمن الداخلي الفلسطيني".

وحول استدلالاته على صحة التسريبات، يبين أن بعض التسجيلات التي نشرها الضابط الذي سرب المعلومات والتي تتحدث عن التنصت على مكالمة بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وضباط من المخابرات المصرية لمتابعة تطورات المصالحة الفلسطينية واتصالات بين فصائل المقاومة، أكدتها بعض الأطراف الفلسطينية التي لم يعطِ الظاظا تفاصيل عن طبيعتها، معتبرا أن الضابط الذي نشر المعلومات أراد تقديم نصيحة علنية للفصائل الفلسطينية نظرا لخطورة عملية التنصت.

وهذه التسريبات، تبعا لكلام الظاظا، "لا تمس فصائل المقاومة فقط بل كل من يعارض سياسات السلطة من المواطنين، وتخدم السياسات الأمريكية".

ويشير الظاظا غلى أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة "لا تنكر قيامها بتقديم معلومات قد تهدد الاحتلال، وبموجب العقيدة الأمنية في الضفة الغربية فإن ضمان وجود السلطة هو ضمان لاستمرار التعاون الأمني"، مبينا أن التعاون مع مخابرات الاحتلال والمخابرات الأمريكية عمل يومي لتلك الأجهزة.

ويشدد الظاظا على وجوب أن يكون الأمر مثار جدل، خاصة أنه سيؤثر في سمعة شركات الاتصالات الفلسطينية التي ذكرها الضابط الفلسطيني الذي نشر المعلومات بالاسم، والتي يجب أن تقدم تفسيرًا لهذا الأمر.

المقاومة مستهدفة

ولدى سؤاله عن الإجراءات التي يمكن أن تحمي المقاومة والمواطنين من عملية التنصت، يقول الظاظا: "إن المقاومة الفلسطينية يجب أن تبتعد عن شبكات الهاتف المحمول في إدارة عملياتها، بالاستفادة مثلا من تجربة حزب الله الناجحة، حيث تم إنشاء شبكة اتصالات خاصة بالمقاومة بعيدًا عن الشبكة الرسمية".

وأشار في ذلك إلى استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمقاومين خلال الحروب والانتفاضتين الفلسطينيتين السابقتين وهم يتحركون عبر الهواتف المحمولة.

وحول إن كان التنصت يقتصر على المكالمات أم على منظومة العمل الإلكتروني، يوضح الظاظا أن التنصت هنا يتجاوز فكرة التنصت على مكالمة، إلى التنصت على كل ما يتم تداوله عبر الفضاء الإلكتروني، محذرا من أن الموضوع ليس هيّنا، وأن على المواطن الفلسطيني أن يدرك أنه مستهدف وأن كل حركاته مرصودة.

لكنه ينبه إلى أنه "لا يجب الخوف في الحديث عن المطالب الفلسطينية لأنها جزء من الانتماء".

وتمر منظومة الاتصالات بشكل عام، وفق الظاظا، عبر سيرفرات، فمن يكون عند الخادم المركزي تكون المعلومات لديه، متابعا: "الشركة نفسها تضع شيفرة عبر النقل السلكي أو اللاسلكي، فلا يمكن الحديث هنا عن سرية معلومات لدى مثلا فيس بوك. صحيح أنه ربما لا يستطيع الآخرون الوصول إليها، لكن من وضعها يستطيع الوصول لتلك المعلومات".

ويستدرك: "لكن دوائر العمل المقاوم والأمني لديهم تعليماتهم الواضحة التي لا تمر عبر الإعلام" مشددا على أنه لا يمكن أن يتراجع العمل الوطني نتيجة هذه التسريبات لكن يجب الحذر خاصة بمدلولات الكلمات المستخدمة.

ويختم: "يجب ألّا ننسى أننا المكان الوحيد في العالم الذي يتم التواصل معه عبر مقدمتين دولتين (070 – 972)، والأمر الثاني أن كل الاتصالات الفلسطينية ورغم أن مركزها عمان إلا أنها تمر عبر شركة الاتصالات الإسرائيلية.

استنساخ تجربة

ويعتبر الخبير في شؤون الأمن القومي الدكتور إبراهيم حبيب عمليات تنصت الأجهزة الأمنية على مكالمات المواطنين، قضية خطيرة تهدف إلى ملاحقة المقاومة.

ويقول حبيب لصحيفة "فلسطين": "إن موضوع التنصت ليس جديدا، وكان معمولا به بشكل فردي من قبل تلك الأجهزة، ولكن أن يتم تأطيره بشكل مؤسساتي لخدمة الاحتلال، فهذا يعني أن السلطة وأجهزتها تحولت لأدوات بأيدي الاحتلال في محاربة المقاومة"، مشيرا إلى دور الأجهزة الأمنية تسليم الاحتلال معلومات عن المقاومة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014م.

ويحذر الخبير الأمني من تبعات هذه القضية على الصعيد الأمني والاجتماعي، باعتبارها أمرا لا تجيزه القوانين ولا الأخلاق، مشددا على ضرورة أن تثار هذه القضية على الصعيد الوطني.

وبحسب حبيب، فإن الأمر ليس جديدا على الوقائي الذي كان متواجدا في غزة وكان له ارتباط كامل مع الاحتلال في قضايا التنصت، مستدركا: "لكن التنصت اليوم يتحول إلى حالة مؤسسة بدلًا من الفردية مقرها جهاز الأمن الوقائي في بيتونيا برام الله يتم من خلالها التنصت على جميع المواطنين".

وتهدف عملية التنصف، كما تابع، إلى معرفة تلك الجهات لحياة المواطنين، ومتابعتهم ومعرفة أحاديثهم، كذلك التنصت على السياسيين، وهذا يدلل على طبيعة هذه السلطة التي أصبحت تراقب الجميع، محذرا من أبعادها الخطيرة على المواطنين إذ إنه لم يعد هناك مواطن في مأمن وأن هذا الخطر يشكل تهديدا نفسيا وجنائيا عليهم.

"هي حالة لاستنساخ تجربة الشاباك والموساد بنسخة فلسطينية".. هذا العنوان الذي طرحه حبيب لهذه القضية، مبينا أنه بهذه الحالة يتحول ضباط الأجهزة الأمنية لمخبرين ومراقبين لحركات الفلسطينيين وإرسال المعلومات لضباط مخابرات الاحتلال، وهذه جريمة يحاسب عليها كل من شارك فيها بدءًا من رئيس السلطة.

ظاهرة قديمة جديدة

يوافق المختص في الشأن الأمني محمد لافي رأي سابقه حبيب، قائلا: "إن التنصت على المكالمات ظاهرة في العالم الافتراضي في الوقت الحاضر منذ سنوات، ترأسها الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنها مع (إسرائيل) "حريصتان على توفير تقنيات" للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة.

وأضاف لافي لصحيفة "فلسطين": "هذا التنصت جزء من مشهد كامل، فمن يلاحق المقاومة ويعطي معلومات عنها، معني بتوفير ملف كامل للمعلومات للجهات المعنية باعتقال أو استهداف المقاومة"، مشيرا إلى أن الكثير من الدول بالمنطقة تتعامل مع الخصوم بشكل خارج عن القانون.

وحول طرق رجال المقاومة في الحد من هذا الأمر، أشار إلى أن هناك عمليات احتياط متعددة وبالأصل ألّا تستخدم المستويات السياسية أو كل من يرتبط بالعمل المقاوم التواصل عبر الهاتف، لافتا إلى أن أجهزة أمن المقاومة تتخذ إجراءات احتياطية ضد التنصت منها التشويه وتعطيل العملية.