روي أن سيدنا عيسى عليه السلام مر مع الحواريين على جيفة كلب, فقال الحواريون: ما أنتن ريح هذا الكلب! فقال عيسى عليه السلام ما أشد بياض أسنانه!
بين القبح والجمال مساحة مليئة بالحكمة والتعقل وجمال النفس ينعكس على كل ما ترى, مفارقة عجيبة بين زاوية الرؤية للحواريين الذين نظروا وركزوا على القبيح، وبين عيسى عليه السلام الذي نظر ومدح الجميل وسط ذلك القبح.
إنها بقعة الجمال والإيجابية بالتحديد التي علينا أن نسلط الضوء عليها متجاهلين قبح ما حولها, ورويداً رويداً ستكبر هذه البقعة حتى تغطي على كل قبيح ورديء، وتزيد مساحات الجمال من حولنا فنرى الخير وراء كل ابتلاء، ونرى الكمال وسط كل نقص.
ثقافة إظهار العيوب
لا شك أن التركيز على العيوب والنواقص ثقافة نهت عنها كل الأديان، ونصح باجتنابها كل الحكماء والفلاسفة, إلا أنها تجاوزت الدين والحكمة وتفشت في المجتمعات التي تهاونت في تطبيق تعاليم دينها.
ولعل المرأة التي يجب أن تكون رمزاً للجمال ونبراساً له هي التي تغرس بذور القبح في أبنائها، فتذم هذه وتلك، وتتقصى عيوب هذا وذاك، إما لإبراز محاسنها بإظهار القبح من حولها، أو مجاراة لوساوس الشيطان دون وعي أو إدراك أن النفس لا تعلو بفضح عيوب من حولها بل تغوص في الحضيض.
إننا في علاقاتنا الإنسانية أحوج ما نكون لتسليط الضوء على جميل الصفات وخاصة داخل الأسرة, فكم من أسرة هدمت بسبب التركيز على صفة واحدة في شريك الحياة وتضخيمها ومتابعتها ولفت انتباه الجميع لها, حتى أعمت أبصارنا عن كل جميل يتمتع به هذا الشريك، فجردناه من كل صفة حميدة، وتركنا له الصفة التي لا تعجبنا فعابته وصار الشقاق عميقا والانفصال وشيكا.
تجاهل عيوب أحبتك
إننا لا شعوريا نتجاهل عيوب الأشخاص الذين نحبهم, ونكاد لا نرى أي عيوب فيهم، ويتناسب الأمر طرديا مع نسبة الحب والتعلق, فكلما زاد الهيام عميت الأبصار عن العيوب, ولهذا أطلق المثل القاضي بأن "مرآة الحب عمياء"، وهو دليل على أن العاطفة تطفئ البصر وتحجب عيوب من نحب.
لكن ماذا لو لم تكن هناك محبة حقيقية بيننا وبين الشريك لتحجب عيوبه وتسترها عن أبصارنا؟
هنا نحن أحوج ما يكون للتوقف واتخاذ قرار حاسم إما بالاستمرار مع هذا الشريك رغم عيوبه وسترها بالتغاضي حينا أو محاولات التغيير الجادة أحيانا أخرى, أو الانفصال عن هذا الشريك وإعلان عدم التقبل والتعايش مع عيوبه, إذ لا توجد منطقة محايدة نعيش خلالها مسلطين الضوء على عيوب الشريك ونحيا دور الضحايا لهذه العيوب, وجعل الحياة سلسلة لا تنتهي من الشكوى والتذمر.
سحر المرايا
لكل منا مميزات وعيوب, ومهما زادت المميزات لا تنفي وجود العيوب وإن قلت, ومهما زادت العيوب لابد وأن هناك مزايا في زاوية ما في شخصية الشريك, تحتاج لتسليط الضوء عليها وإبرازها للعين.
ونحن إن كانت لدينا رغبة في العيش بسلام واستقرار, يمكننا أن نصنع مرآة سحرية, ترى بعين العقل لا بعين القلب, نسلطها على كل جميل في شخصية الشريك, وكلما زادت مساحة التركيز على الجميل امتلأت مرآتنا بالمزايا والمحاسن.
ولا بد من مدح المميزات أمام الشريك فذلك يثبتها وينميها, وعلينا أن نتغاضى عن العيوب الصغيرة التي لا تستحيل معها العشرة, وأن ندرك أن الحياة لا تستقيم مطلقا مع شريك لا نرى فيه سوى العيوب, فحين تغلق عين العقل نرى بأهوائنا عيوب الآخر وننسى أن التغاضي عن العيوب شريعة الحياة الزوجية، وأن معركتنا الحقيقية ليست مع شخص دون عيوب بل مع العيوب والنواقص والتكيف والتواصل مع الآخر بتقبل عيوبه أو لا, ثم بالتعامل معها بألطف وأفضل الطرق فيما بعد.