عملية نابلس الفدائية, طرحت الخيارات الفلسطينية في مواجهة المؤامرة, فلا سبيل أمام هذا الشعب الذي يتعرض لعملية استهداف لوجوده وهويته الوطنية, إلا المقاومة فهي خيار الشعوب الحية, التي لا تقبل الضيم أو الاستسلام أمام إرادة البطش والعدوان, فلماذا يراد نزع هذا الخيار الوجودي من جعبة شعبنا الفلسطيني؟ لماذا تنقلب الموازين وتتبدل المفاهيم وتسقط القناعات عندما يتعلق الأمر بمقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين؟ لقد بات المشهد واضحاً فالمجتمع الدولي ومؤسساته مشارك رئيس في محاولات ترسيخ كيان الاحتلال والاعتراف به كدولة لها عضويتها الكاملة في كافة المؤسسات الدولية, وهي بمثابة ردة كونية عن مواثيق وقوانين وعهود شكلت القانون الدولي, وتؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في مقاومة أي احتلال أو عدوان عسكري خارجي, إلا أن سطوة القوى الاستعمارية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر شريكة للكيان الصهيوني في احتلاله وعدوانه على فلسطين الشعب والأرض, جعل من دولة (إسرائيل) دولة فوق القانون الدولي والمؤسسات الأممية.
في هذا السياق يأتي الحديث المسخ, للمنسق الخاص للأمم المتحدة للتسوية في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف, في إدانته المشوهة لعملية نابلس الفدائية, فهي عبارات لا تستند إلى مرجعية إنسانية وقانونية, حيث إن هذا الفعل المقاوم لها مبرراته ومسبباته القائمة, في طليعتها جريمة احتلال الأرض ومحاولة فرض تغييرات ديمغرافية, من خلال زرع عصابات الاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967, أليست الضفة الغربية أرضا محتلة بإجماع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة, كان على ملادينوف أن يطالب الاحتلال على الأقل بالانسحاب الفوري من الأراضي المحتلة عام 1967 تطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة, فالاحتلال هو السبب المباشر لعملية نابلس الفدائية, استنفر المبعوث الأممي ملادينوف لمقتل مستوطن مسلح يصادر أراضي فلسطينيين عزل, ولم نسمع له صوتاً أو إدانة لاستشهاد أكثر من 17 مواطنا فلسطينيا عزل خلال شهر, برصاص جنود الاحتلال منذ إعلان قرار ترامب, أم أن دماء الفلسطينيين ليست من النوع التي ينتفض لها السيد ملادينوف؟!
في خضم معركة الحرية التي يخوضها شعبنا الفلسطيني, سنسمع إدانات كثيرة لأي عمل فلسطيني مقاوم, ويعود ذلك لانحراف القيم في المنظومة المتزعمة لهذا العالم الظالم, ويجب ألا يتوقف شعبنا كثيراً عند تلك الإدانات فهي من أدوات حماية الاحتلال في فلسطين, ويجب أن نتعامل معها على هذا الأساس, فهي كالحاجز العسكري الذي يخنق المدن الفلسطينية في الضفة المحتلة, تحتاج إلى نوع آخر من المقاومة وهو المقاومة الدبلوماسية التي تصر على حقنا في الدفاع عن أرضنا من الاحتلال الغاشم يكون ميدانها العالم أجمع.
أهمية عملية نابلس النوعية تشكل الجواب الفلسطيني, لكل التحديات التي تعترض قضيتنا وهي المسار الذي يجب أن نسلكه من أجل إنجاز مشروعنا التحرري, تأتي هذه العملية بعد تطورين مهمين في ساحة مواجهة ومقارعة الاحتلال الصهيوني, الأول قرار كتلة حزب الليكود الصهيوني الحاكم بفرض السيادة على الضفة الغربية, والثاني محاولة الكنيست الصهيوني إقرار قانون بإعدام منفذي العمليات الفدائية ضد الاحتلال, منفذي العملية أرسلوا الرد في الميدان على هذه القرارات لقادة الاحتلال بأن الضفة رغم تمدد البؤر الاستيطانية ستبقى فلسطينية ولن يستطيع الاحتلال تهويدها, والمقاومة حاضرة في ردها المسلح على الأرض الفلسطينية, وهي أيضا رسالة للسلطة الفلسطينية بأن المقاومة هي السبيل لإفشال أهداف الاحتلال بالسيطرة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية المحتلة, وأن حالة الهدوء سمحت للمستوطنين العيش بسلام في مستوطنات الضفة والتنقل عبر شوارعها بأمان, ولم يعد سراً ما تم نقله عن الرئيس الراحل ياسر عرفات خلال انتفاضة الأقصى مطالبته الأجنحة العسكرية للمقاومة, أن تزيد من عملياتها ضد المستوطنين في الضفة الغربية, حتى لا يسمح لهذا السرطان بالتمدد بلا مقاومة في الأرض الفلسطينية.
عملية نابلس النوعية, جاءت كصفعة لوزير الحرب ليبرمان وأعضاء الكنيست الذين حاولوا إقرار قانون بإعدام منفذي العمليات الفدائية, فلا يستطع قرار أو قانون أو محكمة ظالمة, أن تردع طلاب الحق والساعين لحرية أوطانهم, من التقدم واقتحام الصعاب والأهوال عبر مقارع أعداء الحرية وسارقي الأوطان, فمنفذو عملية نابلس وكل عملية فدائية يخرجون على نية الاستشهاد وعدم العودة بعد تنفيذ العملية وهذا قد يكون من أسباب الإقدام والجرأة التي يتمتع بها المقاومون رغم إمكانيات العدو الكبيرة والمتقدمة في مجالات الأمن والمراقبة, فلم يكن ذلك رادعاً لهم في الاستمرار بالمقاومة, ولن يكون قرار الإعدام بعد محاكمة صورية رادعاً لمسيرة مقاومة شعبنا الفلسطيني, الذي استلهم ثورته المتجددة من أرواح الشهداء, وفي مقدمتهم عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي الذين أعدموا بتاريخ 17-6-1930 في سجن القلعة بمدينة عكا, زمن الاحتلال البريطاني لفلسطين, وأصبحت حكايتهم وأسماؤهم أنشودة الثورة الفلسطينية المستمرة تترنم بها الأجيال الفلسطينية.