أذكرُ يوم تقدمي لاختبارِ القبول لبرنامج الدراسات العليا كان أحد الأسئلة يتعلق حول عبارة لابن القيم عبارة ظلّت عالقة في ذهني حتّى الآن، و كنتُ جداً أؤيد هذه العبارة، قال فيها بأن "العيون مغاريف القلوب، بها يُعرف ما في القلوب، وإن لم يتكلم صاحبها".
ففي وقتٍ مضى كنتُ أحكم على الناس من ملامحهم ومظاهرهم، ولكن نضجت خبرتي أكثر مع المواقف، وبحكم دراستي وعملي تعلمت؛ أنّ من كنت أظنهم ملائكة، أثبتوا لي عكس ذلك ملائكة في الظاهر، و في دواخلهم، ألد الخصام! ومن ظننتهم أشراراً، كانوا أطيب الخلق بعد أن عاشرتهم وعرفتهم حق المعرفة من بعد التجربة!
ولا أُنكِر أني ما زلت مع هذه المقولة، و لكن في بعض الأحيان نصطدم في البعض، فكم من عيونٍ بريئة تختبئ خلفها قلوب مريضة، وكم من عيون و وجوه قد لا تعجبنا للوهلة الأولى، وحين نعاشرها مع الزمن نجد أنّ أصحابها بأفعالهم لا بمظهرهم! وتندم على تسرعك في إطلاق الأحكام مُسبقاً عنهم.. طبعاً لكل قاعدة شواذ هذه القاعدة لا تُعمم، هذا لا يعني أنّ البعض يحملون سيماهم في وجوههم حقاً سواء خير أم شر.. وهم قلّة!
لذلك تعلمت ألاّ أحكم من الموقف الأول، ولا من الرؤية الأولى، فنحن في النهاية بشر قد نُصيب وقد نُخطئ في إطلاق الأحكام، فقد تخدعك تلك الأحكام لتكتشف لاحقاً أنك نسجت علاقاتَ هشّة، غرّتك تلك العيون البريئة وتلك الكلمات المعسولة ووقعت في الفخ ودفعت ثمناً لذلك من وقتك وأحياناً عملك وجهدك وصحتك والأسوأ حين ترهق روحك.
ففي علاقتنا يجهد لسان الحال بالقول للناس من حولنا: أرجوك لا تجعلني أعتقد أنك تبدو هكذا، وأنت العكس تماماً لا تكن جميلاً جداً أمامي، وأصطدم بكَ من ورائي...
فالبعض يمنحك كل الثقة، ويهدم كل شيء على مرأى العين...
بالمقابل قد تُسيئ الظن بأحدهم وتختلق الأسباب للابتعادِ عنه، وتظن بآخرٍ أسوأ الظنون ثم تجده بريئاً، مُحباً، ما زال يحتفظ بنقائه الداخلي وإن خانته التعابير وخذلته الحياة فالله أعلم بأحوال العباد، وبتخبطاتهم، مشاعرهم، خذلانهم وانكساراتهم، فرفقاً بقلوبهم وهوناً بانطباعاتك عنهم...
فأسأل الله أن يمنحك تلكَ القوة، كي تحافظ على بقايا الجمال في دواخلك في هذا الكوكب البائس جداّ!
وأن يمنحك القدرة كي تواجه بشاعة الأقنعة وزيف القلوب ويُبعدك عنها، وأن يَمنحك اطمئنان العبور.. دون الخوف من مطبّاتِ التعثر التي تخشاها مطبّاتِ الظنون وفوضى الأحاديث الفارغة واسـأله أن يُعيذك من كلِ أذىً تقترفه بحقِ نفسك وبحق أحدٍ من خلقهِ بتلك الظنون...
تعلّم ألا تستعجل في الحكم على الخلق من النظرة الأولى، والموقف الأول!
الحياة ممتلئة بالمفاجآت غير السارة أحياناً يا صديقي!أن