قد يحمد الإنسان ربّه لأنه لم يقع في الكبائر، ولم تصل ذنوبه إلى ارتكاب هذا المستوى من المعاصي، دون أن ينتبه أنه في طريقه إليه إن لم يضع حدّا لارتكابه لصغائر الذنوب، فالصغائر قد توصل إلى الكبائر إن كررها الإنسان وتمادى فيها، ولكن كيف يكون التوقف عنها؟..
يزيد وينقص
يوضح الأستاذ المساعد في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية الدكتور عاطف أبو هربيد أن ارتكاب صغائر الذنوب مرتبط بالوازع الديني، وبأن الإيمان يزيد وينقص، مما يعني أن البعض تغلب شهوته على الجانب الديني والعقلي لديه، فيتمادى في المعصية ويراها بسيطة ويغيب عن باله عظم من يعصيه.
ويذكّر في حديثه لـ"فلسطين" بقول الله تعالى: "قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها"، مبينا أن المقصود من الآية الكريمة أنه في بعض الأحيان تضعف إرادة الإنسان، وتتغلب شهوته، ويزين له الشيطان المعصية، ويوسوس له بأن ما يرتكبه ليس كبيرا وأن الله تعالى سيغفر له.
ويقول أبو هربيد: "لو داوم الإنسان على فعل الصغائر، فإنه قد يقع في الكبائر، لأن الإصرار والتكرار على الأولى من شأنه أن يوصل إلى الثانية"، مضيفا أن السبب في ذلك أن المسلم لو ارتكب ذنبا، مهما كان صغيرا، ولم يتب منه، يُنكت في قلبه نكتة سوداء حتى تطغى على القلب كله، كما في الحديث الشريف: "إنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ".
ويشير إلى أن تكرار ارتكاب الذنب، وإن كان صغيرا، سيؤدي في نهاية المطاف إلى التغطية على القلب كله بحيث لا يفرّق بين الحق والباطل، فينطبق على صاحبه قول الله تعالى في القرآن الكريم: "قوما لا يكادون يفقهون قولا"، وبناء على ذلك سيتجرّأ على ارتكاب ما هو أكبر من الذنوب، خاصة إذا وصل به الأمر إلى موت الوازع الديني.
ويبين: "شجرة الإيمان في القلب لا بد من رعايتها، ولو ترك الإنسان نفسه فريسة للذنوب والمعاصي، فهذا يلقي بظلاله على تلك الشجرة فتيبس حتى تموت، إلا لو أدركها بالتوبة، فما الجبل إلا تراكم الحصى الصغير، كذلك حال الإنسان الذي تتراكم ذنوبه فيصل به الأمر إلى الجحود".
ولمواجهة الصغائر قبل الوصول إلى الكبائر، يقول أبو هربيد إنه يتعين على الإنسان أن يستحضر دوما حقيقة الحياة والموت، فهذا يدفعه للتوبة، والتي من المعلوم أن لها شروطا، فإن كان الذنب في حق الله فشروط التوبة منه هي أن يقلع المسلم عن الذنب، ويندم على ارتكابه، ويعزم على عدم العودة إليه مجددا، ولو كان في حق العباد، فهناك شرط إضافي هو رد المظالم إلى أهلها، لذا فالرسول صلى الله عليه يقول: "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".
ويضيف: "كذلك لا بد من المداومة على الطاعات، فالنفس إن لم يشغلها الفرد بالخير والطاعة، شغلته بالمعصية، ثم الحرص على الرفقة الصالحة التي تقويه على الطاعة، لا أن يكون مُحاطا بصحبة تجرّه إلى المعاصي، فمن الناس من إذا رأيناهم تذكرنا الآخرة، وهناك من يرتبطون في أذهاننا بالذنوب ويسحبوننا لارتكابها".
ويتابع: "ومن الجيد أيضا التفكر في آيات الله، وأن يدرك الفرد تماما أنه ليكون مؤمنا صحيحا يجب أن تكون حياته كلها لله تعالى، كما في قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)".
ويؤكد أبو هربيد : "لا بد من تجديد التوبة بعد الذنب دون يأس، فحتى إذا شعر المسلم بضعف وفتور في إيمانه، عليه أن يدرك أن الله يغفر الذنوب، فيتوب بلا يأس، ولعل الله يقبل التوبة ويبدل السيئات حسنات".