في أجواء العجز القيادي أو الفشل المتكرر أو انفصال القيادة عن الجماهير بفعل الضغط الأمني فينبغي النظر في خيارات أخرى ممكنة مثل فكرة استيلاد القيادات الميدانية في كل منطقة سكنية أو حي أو عشيرة متماسكة أو وحدة سكانية، اعتمادًا على الحاضنة الشعبية والخصوصية الأهلية، وتعتمد الفكرة على التوعية بضرورة المبادرة لكل قادر على قيادة الميدان المختار جزئيًا أو كليًا، لزمان قصير أو طويل، بممارسة دور ما يعرفه ويُحْسِنه، ثم قيامه بتشكيل فريق مساند له من أخص ثقاته، يعملون معًا في فريق واحد بحيث يكونون هم مصدر التوجيه وفريق العمل معًا، حيث يقومون مثلًا:
قوة هذا العمل في كثرة العاملين فيه، وتعدُّد قياداته وتغيُّرها باستمرار بحسب الفكرة والقدرة على تنفيذها، وامتداده على مساحات واسعة في المنطقة الواحدة واختلاف أزمنة نشاطه فهم يعملون في كل وقت وفي أماكن غير متوقعة.
ويفضّل أن تكون القيادات من فتوّات الحارات ومن ذوي الخبرة في العمل الطلابي والفعاليات الجماهيرية، وأن تتنوع تكويناتها من الشباب والبنات وحتى الأطفال والشيوخ.
وينبغي أن تتنوع أعمال هذه المجموعات من استفزاز الاحتلال أو قطع الطريق عليه أو إهانته أو رمي القاذورات عليه أو تنظيم المسيرات الفنية التعبوية السيّارة في الشوارع أو إيقاد المصابيح والشموع أو تنظيم مجموعات إسعاف افتراضية حتى في الأماكن التي لا يكون فيها مواجهات أو رسم الجداريات أو فرقعة صفائح المبيدات الحشرية أو تفجير جرار غاز الطهي قرب الجدار العازل... ولا تنتهي الأفكار إذا اجتمع كل فريق لخمس دقائق، وسترون عجبًا من الأفكار الساخرة والضاحكة والعجيبة التي سيبدع بها هؤلاء.
وتهدف هذه الفعاليات كلها إلى تهيئة أجواء تثوير المجتمع ودفعه لاحتضان الفعل الثوري وزيادة شحنة الجرأة فيه، والتعبئة العامة بضرورة العمل الجماعي الشامل لتغيير واقع الاحتلال وفرض معادلات جديدة على الأرض دون الوصول إلى مرحلة العسكرة والتجييش، وتوضيح قواعد العمل الميداني الأهلي في تحديد الرد الموضعي وامتصاص الصدمات السريع وقواعد الكر والفر والاشتباك الشبحيّ وتبادل الأدوار والتضليل والتعمية.
يأتي دور الكبار هنا في تغطية هذا العمل ومساعدته والمبادرة بحل مشكلاته والخلافات التي تنشأ بين العاملين فيه وتوجيهها صوب العدو المشترك والتوعية بخطورة انصرافه عن مهمته، ومن الضروري هنا عدم الوقوع في خطأ استلام زمام العمل وتنظيمه الدقيق أو فرز عناصره في المراحل الأولى وعدم المسارعة بتبنيه، مع أهمية قراءة مساراته الصاعدة والاستعداد للمرحلة التالية منه بالزخم القوي ذاته وبالقوة الشعبية المنوعة ذاتها وبإضافة قوة نوعية له من الجملة التنظيمية والاستعداد لقيادتها سياسيًا نحو تجاوز حالة الجمود والانطلاق بها نحو المقاومة الثورية النشطة.
وينبغي إبقاء جذوة هذا الحراك إلى أقصى مدى ممكن قبل الانتقال به إلى مرحلة أعلى، ويجب أن يكون الهدف هو استمرار هذا النمط وجعله خبزًا يوميًا يعتاش منه الشعب باهتمام وشغف دون أن نصل به إلى مستوى الإرهاق ريثما تتهيأ ظروف إقليمية وداخلية أفضل.
وأظن أن للناس أفكارًا كثيرة يمكنهم البدء بنقاشها وبحثها انطلاقًا من هذه الالتماعة.