من بيوت حي الزيتون بمدينة غزة انطلقت الفكرة، ومن عيلبون انطلقت الرصاصة في الأول من يناير عام 1965م، هي حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، انطلقت لهدف التحرير، وقدمت الغالي والنفيس لتحقيق الهدف، فهي حركة الشهداء والأسرى والجرحى، هي أم الجماهير، هي من أعاد معاني النصر بعد هزيمة حزيران 1967م، هي حركة فتح، حركة الشهداء ياسر عرفات وخليل الوزير أبي جهاد وأبي إياد وغيرهم الآلاف.
نستذكر في ذكرى انطلاقة فتح عملية عيلبون ومعركة الكرامة وغيرهما، ولكن حركة فتح هي مجموعة من البشر، ولا قدسية لغير القرآن والسنة النبوية وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فمسيرة ثلاثة وخمسين عامًا أصابت فيها فتح وأخفقت، فأين أصابت؟، وأين أخفقت؟
نبذة تاريخية
عندما فكر القائد صلاح الدين الأيوبي في تحرير بيت المقدس التف العرب والمسلمون حوله، وقاتلوا كتفًا بكتف إلى جانبه، وبعد وفاته أصبح اهتمام الدولة الأيوبية بالحكم والسلطة والمال والجاه، فانفض الناس من حولها، وسقطت الدولة الأيوبية.
في الأول من يناير عام 1965م نسفت حركة فتح نفق عيلبون في أول عملية عسكرية لها في الأرض المحتلة، ليلة الجمعة الأول من كانون الثاني عام 1965م، وبهذا كانت الشرارة الأولى لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة.
ويصادف هذا العام أن يكون الأول من يناير يوم جمعة لنتذكر بطل تدمير نفق عيلبون الشهيد أحمد موسى إبراهيم الدلكي، أول شهيد لفتح.
بعد عملية عيلبون وانطلاق الثورة الفلسطينية التفت الجماهير الفلسطينية والعربية حول فتح، لتصبح الحركة الأكبر، والسواد الأعظم من الشعب الفلسطيني، في إشارة واضحة إلى أن الشعوب تبغض الاحتلال وترغب في مقاومته.
إنجازات فتح:
أعتذر إلى قرائي الكرام بأن ثلاثة وخمسين عامًا لا نستطيع أن نجمل كل الإنجازات أو الإخفاقات، ولكننا نجتهد لعلنا نغطي الإنجازات الأكثر أهمية.
1- من أهم إنجازات فتح أنها نالت شرف الطلقة الأولى (الثورة الفلسطينية) بعد نكبة عام 1948م.
2- حافظت على الهوية والكينونة الفلسطينية، في وقت سعت فيه بعض الدول إلى تذويب هذه الهوية.
3- دعمت صمود اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.
4- حافظت على النظام السياسي الفلسطيني بتعزيز المؤسسات السياسية الفلسطينية وبناء أركان الدولة الفلسطينية.
5- خففت من هول هزيمة حزيران، وحاربت التطبيع مع دولة الكيان.
6- صمودها في بيروت بعد حصار كبير وقاس.
7- فضح الاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية.
8- قيادة فتح للقيادة الوطنية الموحدة في الانتفاضة الأولى عام 1987م، وقيامها بجانب الفصائل الأخرى بتلقين العدو دروسًا قد لا ينساها بالعمل المقاوم.
9- تشكيل خلايا كتائب شهداء الأقصى والقيام بعمليات نوعية ضد الاحتلال في انتفاضة الأقصى.
10- في عهد فتح أجريت أول انتخابات ديمقراطية نزيهة شهد لها القاصي والداني.
إخفاقات فتح:
1- هيمنت حركة فتح على منظمة التحرير، واستحوذت على القرار السياسي وعلى المؤسسية السياسية الفلسطينية.
2- شخصانية النظام السياسي الفلسطيني، وغياب الديمقراطية عن مؤسسات المنظمة، وآثار ذلك على القرار السياسي الفلسطيني.
3- تدخل المنظمة التي تهيمن عليها فتح في شئون داخلية للدول العربية، مثل تدخل الرئيس ياسر عرفات في أزمة الخليج، وموقفه الداعم للرئيس صدام حسين في احتلال الكويت، الذي دفعت ثمنه المنظمة (إضافة إلى أسباب أخرى) بتوقيع اتفاق أوسلو.
5- توقيع اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، مع وجود بعض الإيجابيات الموجودة بالاتفاق شكل انتقال فتح من مربع المقاومة إلى مربع السياسة في ظل استمرار الاحتلال والظروف الإقليمية والدولية المحيطة إخفاقًا للمنظمة، ومن خلفها فتح كونها تهيمن على مؤسسات المنظمة.
6- ذوبان فتح داخل مؤسسات السلطة التي شابها الفساد والترهل والمحسوبية ألقى بظلاله على مؤسسات الحركة، فغابت وذابت داخل بوتقة السلطة الفلسطينية.
7- برنامج فتح الانتخابي في انتخابات الرئاسة 2005م، الذي غيب عسكرة الانتفاضة في ظل وجود احتلال قمعي غاصب.
8- قبول فتح بتدخلات إقليمية ودولية في نتائج الانتخابات التشريعية 2006م، ما أدى إلى تفاقم الأمور بين الأخوين الشقيقين فتح وحماس.
9- تجاوز فتح للدستور وعدم احترام القوانين الفلسطينية، وتسخير طاقات منظمة التحرير لقضايا خلافية داخلية، وغياب مؤسسات (م.ت.ف) عن القضايا الجوهرية.
10- حسم حركة فتح مواقفها السياسية بما يتناسب ويتواءم مع محور ضد محور آخر، ما يدخلها أو سيدخلها في صراعات عربية، حركة فتح في غنى عنها كونها حركة تحرر وطني.
11- أخفقت فتح في مؤتمريها السادس والسابع ببعض الشبهات التي رافقت نتائج الانتخابات الداخلية.
12- العقوبات الجماعية التي فرضها الرئيس محمود عباس سينسبها التاريخ إلى حركة فتح، وأن الحركة عبر لجنتها المركزية وافقت عليها، ولم تتراجع عنها بعد تلبية حماس الاشتراطات التي قامت من أجلها.
13- عدم فصل منصب رئيس فتح عن منصبي رئيس السلطة ورئيس منظمة التحرير، ما يكلف حركة فتح وزر كل أخطاء السلطة والمنظمة.
الخلاصة: حركة فتح تحتاج إلى مراجعة شاملة، تصوب الإخفاقات وتكرس الإنجازات، وتعيد اللحمة إلى الوطن، وتنهي الانقسام بتوافق وطني، وتعود إلى برنامجها الذي انطلقت من أجله، فالاحتلال ما زال مستمرًّا، ورئيس السلطة القائد العام لفتح محمود عباس أعلن فشل المفاوضات وعدم التزام الكيان بالاتفاقيات، فأين تسير فتح الآن؟، هل تعود إلى برنامجها وميثاقها الأول فتعود جماهيرية فتح، أم تبقى متمسكة بخيارات فاشلة من أجل المحافظة على إنجازات شخصية وعلى رواتب ورتب للموظفين؟