لا مجال إطلاقًا للاستغراب من دعوة الصحفي الإسرائيلي العنصري بن كسبيت، ضمنًا، باغتصاب وقتل الفتاة البطلة الفلسطينية عهد التميمي (16 عامًا)، لكونها تصدت لجنديي احتلال اقتحما بيتها. كما لا مجال للاستغراب من هجوم عضو الكنيست الأزعر أورن حزان، على والدة أسير متقدمة بالسن، وهي في الحافلة في الطريق للقاء ابنها في السجن. فهذا الحضيض الأخلاقي هو وجه (إسرائيل) الحقيقي، وهؤلاء يبنون شعبيتهم على أقوال وتصرفات كهذه، ومثلهما قطيع كبير من أعضاء الكنيست، وأولهم بنيامين نتنياهو.
فكسبيت يشعر ببحبوحة تامة، لينشر مثل هذه الدعوة ضد طفلة، دافعت بذراعها الغض عن مساحة بيتها الضيقة، بعد أن أقدم جنود الاحتلال على إطلاق الرصاص على رأس فتى قريب لها. وهو يعرف أن الشارع سيتحمس لكلام إجرامي كهذا. كما أنه مطمئن لعدم الملاحقة، لأن العقلية الصهيونية تجيز هدر دم كل عربي وفلسطيني حتى من دون سبب، فقط لكونه عربيًا. وما دعا له كسبيت، ليس غريبًا عن ممارسات جيش الاحتلال، ومن قبلهم العصابات الصهيونية في النكبة وما سبقها.
أما الأزعر أورن حزان، فهو قادم من العالم السفلي، وكان يدير كازينو في مدينة بورغاس البلغارية، واسمه ارتبط بـ"سوق الدعارة" في ذلك المكان، وأيضًا بالتعاطي بالمخدرات، وفق تحقيق أجرته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي.
ويرتبط اسم حزان بسلسلة اعتداءات ضد عضوات كنيست، وآخرها النائبتان عايدة توما وحنين زعبي من القائمة المشتركة، في حادثتين منفصلتين في قاعة الكنيست قبل أيام قليلة، وقد تصدتا له كما يليق. وقد اقتحم حافلة تقل أمهات أسرى من قطاع غزة، وهاجم إحداهن، ليشتمها ويشتم ابنها. وهي أيضًا تصدت له، ولم تخضع، كما هي دائمًا الأم الفلسطينية المقاومة الأصيلة.
يطل كسبيت وحزان من الظل، والطريقة الأسهل والأسرع للوصول إلى الشارع الإسرائيلي بحالتيهما، هو النهيق العنصري والتحريض على العرب. فهذه الورقة الرابحة في الشارع الإسرائيلي، ورأينا أحزابًا تبني قوتها السياسية والانتخابية على أجندات التحريض على العرب، وأولهم نتنياهو، ومثله أفيغدور ليبرمان، وأحزاب المستوطنين.
ولكن ليس فقط التحريض العنصري، بل أيضا "الرصيد الدموي" للعسكر وخدّام الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، الذين يختارون دخول الحلبة السياسية، بعد أن يخلعوا البزة العسكرية. فقبل أيام قليلة، اعترف مجرم الحرب موشيه يعلون، من كان وزيرا للحرب حتى قبل عام ونصف العام، بأنه هو من اغتال القائد الفلسطيني الراحل الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد). وهو لم يجدد لنا شيئًا، لأننا كنا نعرف هذا منذ سنوات طوال، على لسان انتصار الوزير أم جهاد.
إلا أن العسكري يعلون صمت وتجاهل، فهذا أحد الأسرار العسكرية، التي لا يجوز لأحد البوح بها إلا بإذن خاص. وعلى هذا الأساس نستطيع التأكد أن يعلون حصل على مصادقة من أعلى مستويات المخابرات العسكرية، ليقر ضمنا في مقابلة تلفزيونية، بأنه هو من أطلق الرصاصة الأخيرة على رأس أبو جهاد، والتأكد من موته.
لماذا الآن؟ فهذه ليست مناسبة ما، وقد مرّ على الجريمة أكثر من 29 عامًا وثمانية أشهر، وكما يبدو فإن يعلون بادر لهذا، لغرض تسويق نفسه شعبيًا، إذ تكثر الأحاديث عن أنه سيخوض الانتخابات على رأس قائمة انتخابية جديدة، وسينافس على مقاعد في الكنيست؛ وإبراز ماضيه الدموي، هو أداة سهلة جدًا لكسب الإعجاب.
ورغم هذه السوداوية الطاغية، إلا أنه قبل أيام قليلة، بعث 63 شابًا يهوديًا إسرائيليًا، أبناء 17 إلى 18 عامًا، برسالة إلى نتنياهو ووزرائه، يبلغونهم فيها برفضهم الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال. وهناك أعداد أكثر يفضلون عدم المجاهرة، والبحث عن أسباب أخرى، لعدم الخدمة. ولكن الموقعين على الرسالة، سيدفعون ثمنًا وأثمانًا باهظة، بدءًا من المعاناة في السجون وهم في هذا الجيل المبكر، ومن ثم، سيكونون محاصرين في مجتمع تتأجج فيه العنصرية وتستشرس.