فلسطين أون لاين

التعامل حرّ بين "البيّعَيْن" وفق ضوابط الشرع

...
صورة تعبيرية
غزة - هدى الدلو

المُعايش للواقع الحالي يرى أن الربح في التجارة ليس له حدود، فنرى السلعة ذاتها تُباع عند عدة تجار ولكن هناك فروقات في سعر البيع بالنسبة لبعض السلع بغرض تحقيق الربح، ولكن بعض السلع الموجودة بالسوق لها أسعار محددة منعًا للتغرير بالناس.. فما هي الحدود التي شرعها الإسلام في الربح؟ وما الهدف من أن الإسلام لم يجعله مقيدًا؟ هذا ما نتناوله في سياق التقرير التالي:

يقول الداعية الإسلامي عبد الباري خلة لـــــــ"فلسطين": "يقول الله تعالى: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"، وبحسب القواعد الشرعية وما ورد من نصوص فإنه لا حد للربح في المعاملات ويترك الناس في ذلك أحرارًا في بيعهم وشرائهم، وتصرفهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية وضوابطها قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ"".

وأضاف: "إذا كانت المعاملات صحيحة وبعيدة عن الحرام وأسبابه وملابساته كالغش والتدليس والاستغلال والاحتكار وغير ذلك من أسباب، كان الإنسان حرًا في ربحه، ولا بد من السماحة في البيع والشراء والدين والقضاء، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى"".

وأوضح خلة أنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية حدٌ معين للربح، فيكون الربح على ما يتفقان عليه، فمتى رضي "البيعان" بالثمن جاز البيع بشرط أن يكون المشتري عالماً بأسعار السوق، والزيادة والنقص في الثمن خاضعان للعرض والطلب، فإذا كان الطلب شديدًا على السلعة ارتفعت قيمتها وإذا كان ضعيفًا انخفضت.

وأشار إلى أنه يمكن أن يكون الربح مائة بالمائة أو أكثر، بشرط أن يكون مثل سعر السوق كمن جلب سلعة من بلد وهي رخيصة فباعها في بلده بثمن عالٍ بحسب السوق فلا حرج في ذلك، فعن عروة بن أبي الجعد البارقي قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا وقال أي عروة ائتِ الجلب فاشترِ لنا شاةً فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما أو قال أقودهما فلقيني رجلٌ فساومني فأبيعه شاة بدينار؛ فجئتُ بالدينار وجئتُ بالشاة فقلت يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم، قال: وصنعت كيف؟ قال فحدثته الحديث فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفاً قبل أن أصل إلى أهلي وكان يشترى الجواري ويبيع.

ولكن، هل يجوز لوليّ الأمر التسعير؟، فأجاب خلة: التسعير لا يخلو من حالتين: الحالة العادية التي لا غلاء فيها، أو حالة الغلاء، وفي الحالة الأولى فإن الراجح عدم جواز التسعير في هذه الأحوال حيث لا يظهر فيها ظلم التجار ولا الغلاء في الأسعار، فالناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم، والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين، لا في تقييد الناس في معاملاتهم والأصل في المعاملات الحل.

وذكر عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ".

وتابع خلة حديثه: "وقال ابن قدامة في المغني: قال بعض أصحابنا: التسعير سبب الغلاء؛ لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعهم بلداً، يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون، ومن عنده البضاعة يمتنع من بيعها ويكتمها، ويطلبها أهل الحاجة إليها فلا يجدونها إلا قليلاً، فيرفعون في ثمنها ليصلوا إليها فتغلو الأسعار ويحصل الإضرار بالجانبين: جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم، وجانب المشتري من الوصول إلى غرضه فيكون حراماً".

وأكد أن الأصل في الشريعة حرية التعامل بين الناس في حدود وضوابط الشرع، ومما لا شك فيه أن هذه الحرية تعد سببًا من أسباب قوة الاقتصاد الوطني، كما أن التسعير دون الحاجة إليه يخالف الأصول التي وضعها الدين الإسلامي، حيث يقيد الحرية ويعمل على اختفاء السلع من الأسواق مما يعود على المجتمع بالضرر.

أما في الحالة الثانية التسعير في حالة الغلاء، فنوه خلة إلى أن الراجح جواز التسعير من قبل المشتري؛ لوجود الحاجة والضرورة، والتسعير ممنوع كما هو واضح في الأحاديث لكن على قوم صح ثباتهم واستسلموا إلى ربهم كما قال ابن العربي، وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس والتضييق عليهم فباب الله أوسع وحكمه أمضى.

وختم حديثه: "ولهذا كله فإن الشريعة الغراء ترى عدم وجود حد معين للربح طالما أن الأمر طبيعي، والتجار ملتزمون بالقواعد المحددة لهم وكذا لا ينبغي التسعير في الحالات الطبيعية، وليس لوليّ الأمر التدخل في الأسعار إلا إذا استغل التجار أوضاع الناس وعثروا حياتهم باحتكارهم وغشهم وخداعهم فكان ذلك علاجًا لا أصلًا".