لم تعتَد كتائب القسام إخراج بيان عسكري في الذكرى السنوية لتأسيس حماس، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا خرج القسام علينا ببيانه العسكري الآن؟ نلاحظ أن المرحلة الحالية شديدة التعقيد والأحداث تتسارع، وخاصة الحدث الفلسطيني الذي فرض نفسه على رأس المشهد السياسي الدولي قبل الإقليمي والمحلي وخاصة قرار ترامب والتطبيع العربي مع الاحتلال وشيطنة المقاومة الفلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى شعور القسام بأن المصالحة الفلسطينية دخلت غرفة العناية المكثفة وأنها بدأت تلفظ أنفاسها، بجانب الحراك الشعبي الفلسطيني المقاوم في القدس والضفة وغزة والذي يقدم الشهيد تلو الشهيد، والردود الاسرائيلية العسكرية الليلية على مواقع المقاومة الفلسطينية، والتسخين على الجبهة الشمالية الشرقية لقطاع غزة من قبل الاحتلال، كل ما سبق فرض على الجناح العسكري لحماس أن يخرج ببيان عسكري ليقول للجميع إياكم أن تنسوا أننا نسمع ونرى؟ نراقب ونتابع؟ فما الذي جاء بورقة القسام، وماذا تحمل من رسائل؟ وما مدى تأثيرها ؟ نتناوله في مقالنا هذا؟!
القسام يعترف بأن ما يجري في المنطقة هو تحت عدسات كاميراته التي ترصد أنفاس الليل وحركات النهار، وأن الطاولة المستديرة لا تترك وحيدة ولو للحظة واحدة، وأن العقل القسامي يقلب كل ما يأتيه من معلومات المختلفة من مصادره المنتشرة في أماكن الصراع ويقوم بحل شيفراتها ويركبها من جديد لتتضح الأمور جلية أمام ناظريه، فهو يراقب كل المتغيرات السياسية المحيطة متابعة جادة ومسؤولة وليست متابعة للترف والتسلية واللامبالاة بمتابعة سلبية وعقيمة، بل متابعة يبنى عليها. القسام يمتلك أوراق القوة العسكرية فما عادت (إسرائيل) وحدها صاحبة القوة العسكرية، فسلاح المقاومة البري والبحري والجوي أصبح يرعب العدو ويحسب له ألف حساب بل وصل أن يطلق عليه استراتيجية توازن الرعب، فكسرت هيبة الجندي الذي لا يقهر وسمع عويله وصراخه "إيما إيما: ياما ياما" وهذا الردع هو الذي تكلم عنه القسام بقوله "أوراق القوة العسكرية التي شيدناها عبر سنوات طويلة". القسام أصبح "فاعلا قويا وأساسيا ومهما يحسب له العالم ألف حساب" وهذا الذي يلوح به القسام أمام الاحتلال فيخاطبه بلغته لذلك نرى الاحتلال فور أي تصعيد يحدثه ردا على فعل فلسطيني مقاوم، يسارع بالاتصال بالجانب المصري (الوسيط) ليحمله رسالة عاجله للقسام بأن "الاحتلال غير معني بالتصعيد"، كما أن الاقليم وصل مؤخرا لهذه النتيجة أن القسام فاعل قوي لذلك لجأت مصر لعقد تفاهمات معه لضبط الحدود المصرية الفلسطينية والتي كان القسام مرارا وتكرارا يقول نحن مستعدون لحماية الأمن القومي المصري الذي هو بالفعل الأمن القومي الفلسطيني ولكن نحميه بطريقتنا وعلى أرضنا ولن نعمل على أرض الغير، وأيضا علمت إيران فعل القسام فعادت العلاقة الحميمة بينهما بعد سنوات عجاف نتيجة عزوف القسام عن العمل والاصطفاف مع أي طرف من أطراف الصراعات العربية. القسام يراقب عن كثب قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لـ(إسرائيل) والشروع بنقل السفارة إليها، وما تبعه من حراك دبلوماسي كان لدول العالم موقف مشرف أكثر من بعض الدول العربية وخاصة الخليجية التي تاهت في صحراء (إسرائيل) وأمريكيا، وما عادت ترى في الكون إلا هما (القوتان العظميان) اللتان نجحتا في صناعة عدو وبعبع وهمي "إيران" ونجحتا أيضا في التحريض ضد حركات التحرر العربية وخاصة الفلسطينية وعلى رأسها (حماس)، الأمر الذي أعمى بصيرتهم وشحذ قلوبهم حقدا، فشربوا الطعم وقدموا القربان تلو القربان فحرروا مليارات الدولارات وقدموا الهدايا غير مسبوقة الثمن، وجندوا إعلامهم وكتابهم لينصروا (إسرائيل) على فلسطين ونتنياهو على هنية، فأصبحت إسرائيل موجودة قبل فلسطين، والفلسطينيون باعوا أرضهم، بل هم ناكرو الجميل فعضوا الأيادي التي حنت عليهم وأعطتهم المال والطعام، متناسين فلسطين ورجالها ومالها زمن القحط الخليجي، كل ما سبق حاضر عند القسام "المحاولات المحمومة من قبل أمريكا والكيان الصهيوني وأذنابهما في المنطقة لتسريع عجلة التطبيع والهرولة نحو الكيان وتثبيت وقائع في القدس لصالح العدو من نقل للسفارة الأمريكية والتلويح بحلول مهينة للقضية"، وأن القسام ورجال فلسطين والمجاهدون سيقفون سدا منيعا في وجه هذه المخططات التي سيكون مصيرها الفشل. القسام رسم خريطة طريق لتحرير القدس وفلسطين ودحر المحتل وتفويت الفرصة على محاولات تصفية القضية بصفقات الوهم والضياع من خلال خطة واضحة المعالم: إنهاء الانقسام ولم الشمل ورأب الصدع وتحقيق الحد المقبول من الوحدة والتوافق بتوحيد شعبنا الفلسطيني وتعزيز مقاومته وتحديد بوصلتها نحو العدو الواحد والأوحد (الاحتلال) وتصليب الجبهة الداخلية الفلسطينية بتوفير مقومات الحياة الكريمة في مأكلها ومشربها وصحتها وعلمها وعملها وتنقلاتها ورزقها لتكون سندا قويا ورافدا داعما للمقاومة، ولم تغفل خطة القسام ما أطلق عليها "الجبهة الصديقة" والمتمثلة بأصدقاء الشعب الفلسطيني وداعمي مقاومته، بهذه الاستراتيجية ذات الابعاد الثلاثة المصالحة والمقاومة والجبهة الصديقة يقترب النصر وتتحرر القدس وفلسطين. عاد القسام ليحرض أبناء الشعب الفلسطيني على المقاومة ومقارعة المحتل بكافة السبل ويشحذ بهم الهمم العالية ويدعوهم للاقتداء بالنماذج الحية والفريدة من أبناء شعبهم الفلسطيني الذين مضوا على طريق ذات الشوكة، والذي نهايته محتومة "التحرير" وجائزته مضمونة (النصر والفتح المبين). وأعتقد أن رسالة القسام للأطراف المعنية الدولية والعربية والفلسطينية والاحتلال لن تمر مر الكرام بل ستقرأ المرة تلو المرة وليست تصريحاته الاخيرة "فراغ غزة" عنا ببعيد والتي كانت نتيجتها الحراك الدولي والاقليمي من الزيارات المكوكية للقيادات الدولية لغزة والحراك المصري، حيث كان يحمل الجميع رسالة التهدئة وتقديم مقترحات لتحسين الوضع بغزة، لذلك أعتقد أن رسالة القسام ستعجل الحراك وستجدده سواء على الصعيد الدولي أو الاقليمي للضغط على الأطراف المعنية للتخفيف عن غزة ومحاولة وأد الانتفاضة وتبهيت قرار ترامب في ظل الرفض الدولي الذي قدم كانتصار على الغطرسة الأمريكية.