بقمبازه الأسود القديم وحطته الصوفية التي يضعها على كتفيه يبدأ نهاره بحثًا عن أية أخبار متعلقة بالقدس، تلك المدينة التي تعلق بها منذ نعومة أظفاره، فداوم على زيارتها يوميًّا حتى تجاوز الستين بثلاثة أعوام.
أحمد عبد الرحمن الملقب باسم "أبي رشيقة" توفي والده وهو في سن صغيرةٍ جدًّا، مع ذلك كان يحرص على الذهاب إلى المسجد الأقصى يوميًّا بحافلات مخصصة لنقل أهل قرية "قصيرة القبلية" جنوب مدينة نابلس، ليستمر بنهجه هذا حتى في أوقات البرد القارس إلى يومنا هذا، مع صعوبة حركته.
الصلاة في القدس
يستيقظ "أبو رشيقة" (63 عامًا) في ساعات الفجر الأولى كي يؤدي الصلاة، ثم يخرج من بيته نحو موقف الحافلات في قريته، وينتظر طويلًا، أربع ساعات هي مدة الرحلة اليومية حتى أبواب المسجد الأقصى، وهي المدة التي يؤكد أنها لن تعيقه عن هدفه، ولو زادت إلى عشرة.
يقول عن حبه وتعلقه بمدينة القدس: "ليس سهلًا عليّ أن أكون بعيدًا عن القدس والمسجد الأقصى، وصلاة الجمعة فيه كعودة الروح".
يؤدي أبو رشيقة صلاته في أكثر الأوقات أمام المستوطنين في المسجد الأقصى، ويردد عبارات التحية للمقدسيين هناك، يعلق بقوله: "فالقدس والأقصى أمانة في أعناقنا، ليس أعناقنا فقط بل أعناق المسلمين والعرب جميعًا".
ملابس تراثية
أبو رشيقة قضى ما يزيد على 53 عامًا وهو يصلي في المسجد الأقصى، ويؤكد استعداده إلى أن يفني عمره كله ذودًا عن الأقصى والمرابطين والمرابطات فيه.
وعن سر التزامه بارتداء الملابس التراثية الفلسطينية حتى اليوم (القمباز والحطة) تابع يقول: "أرتدي الملابس التراثية حتى اليوم وأحافظ عليها عند الذهاب إلى الصلاة في المسجد الأقصى لأنها تدل على تاريخنا، وتجذرنا في أرضنا، وأرى أنها كالشوكة في عين الاحتلال الذي يظن أنه يمكن أن ينسينا جذورنا هنا في أرض فلسطين".
يتواجد الرجل الستيني غالبًا بل؛ يوميًّا في الأقصى، يجالس المقدسيين ويساهم في الرباط معهم، والمذهل أن معظم السياح الذين يوجدون في باحة المسجد المبارك بمجرد رؤيتهم إياه يتسابقون إلى أخذ الصور التذكارية معه، لما يمثله وجوده بزيه الفلسطيني التراثي داخل المكان.
ومضى يقول: "أحيي شعبنا لأنه بصدره العاري يقابل أكبر رابع دولة في السلاح والقوة كما يشاع عن كيان الاحتلال، ومع المضايقات الإسرائيلية على الحواجز دائمًا أرفع رأسي شامخًا كي أصل إلى المسجد الأقصى".
نصرة المرابطين
كان يتمنى أبو رشيقة أن يكون مقدسيًّا، ويرى أنه لا يستطيع عمل شيء لنصرة المرابطين في المسجد الأقصى من أهل القدس إلا الصلاة والاستمرار في الذهاب إلى القدس.
يعقب: "يا للأسف!، أنا شاهدٌ على الكثير من الانتهاكات التي ترتكبها بحق المرابطات داخل المسجد قوات الاحتلال، التي لا تحترم حرمة المكان، ولا خصوصية النساء"، مشددًا على أنه سيبقى مع المقدسيين، لا يعبأ بكل العقبات، يحمي المسجد بقلبه وجسده، ولن يتركهم في الميدان وحدهم أبدًا.
يضيف: "نحن ندافع عن أرضنا ولن نركع إلا لله، هذا الشعب الجبار ثابت في أرضه مثل شجر الزيتون".
الصلاة في الشارع
خلال الأحداث الأخيرة في مدينة القدس، عندما كان المصلون يمنعون من الدخول إلى المسجد الأقصى بسبب نشر البوابات الإلكترونية؛ لم يكن بوسع أبي رشيقة سوى الصلاة في الشارع مع المصلين أمام المسجد، "ولا أذكر أنني تراجعت إلى الخلف قط، مع كل التهديدات التي كنت أتلقاها من جنود الاحتلال" يزيد.
يُعد أبو رشيقة اليوم علمًا من أعلام القدس، وأيقونة من ايقونات المسجد الأقصى، لاسيما أنه في كل مرة يحرص على ارتداء زي مختلف، "وكل أزيائه تشترك في قيمة الأصالة"، يتمم حديثه قائلًا بعامية بسيطة: "هادي ملابس سيدي وسيدك الفلسطينية، هادي أصلنا وتراثنا وتاريخنا، مثل القدس بالزبط، واللي مش عاجبه يروح يشرب من وادي غزة".