إننا لا نجيد الاستماع بالقدر المطلوب منا على الإطلاق, والسبب يعود إلى كوننا لم نمنح الفرصة الكافية للتعبير عن أنفسنا ودواخلنا وعوالمنا الخاصة, بما فيها من أفكار ورغبات ومشاعر، ولذلك نحن نهمل الاستماع للآخر, ونهتم فقط بالتعبير عما يشغلنا وما نشعر به إن حظينا بفرصة استماع من قبل الصديق أو الشريك, ولذلك تظل بيننا مساحات من الكتمان تحتاج إلى فرصة للبوح, وإن لم تسنح هذه الفرصة من الصديق أو الشريك سرعان ما يتحول اهتمامنا صوب من يعطينا أذنا مهتمة ووقتا مقتطعا للبوح.
ثقافة الاستماع
يعتبر الإصغاء الفعّال والمدروس ثقافة قليلة التواجد في كثير من المجتمعات, رغم أنها تشكل صمام أمان يحمينا من الوقوع في أسر أفكارنا الغريبة أو انفعالاتنا الحارة الكامنة داخلنا. والأسرة هي المنبع الأول لغرس هذه الثقافة في الأبناء, بحيث يستمع الأبوان لأولادهم بهدوء وثقة ويستمعا جيداً أيضاً, وفي هذه الأجواء المريحة, تنمو ثقافة الاستماع وتنتشر سواء كمحادثة بين أفراد الأسرة أو مع صديق حميم أو قريب.
وعندما نستمع إلى محدثينا بشكل جيد وهادئ, نحس وكأننا نحتاج إلى المزيد من الاستماع إلى كلامهم, ونسمح لهم بقول ما عندهم ونحاول نحن أيضاً أن نتعاطف مع ما يقولون ونشعرهم بالاهتمام والتفاعل، بل ونساعدهم على طرح مشاكلهم بوضوح وأمان.
ولأننا نعرف أهمية الاستماع نستمتع بكلامهم ونحب أن نكسب ودّهم ونحافظ على علاقاتنا معهم بشكل جيد ووطيد من خلال الاستماع الجاد.
الاستماع يشعر الشريك بالاهتمام
عندما نتحدث.. نحب أن يستمع إلينا الآخرون, لعل هذه طبيعة عامة فينا جميعاً, لأن الاستماع يشعرنا بالثقة والاحترام, ويحسسنا بالأهمية.
وقد أثبت علماء النفس الاجتماعي أن الاستماع الجيد إلى الآخرين ليس بالضرورة أن ينتهي إلى التأثير الكامل عليهم, إلا أنه يزيد من أواصر المحبة والتقارب الروحي والعاطفي بين الناس.
كما أن من أبرز سمات العظماء وأصحاب النفوذ والتأثير في المجتمعات هي الاستماع والإصغاء إلى كلام الآخرين. فليس كثرة الكلام دليلاً على قوة الشخصية ولا قوة التأثير بل ربما – أو في الغالب – ينتهي كثرة الكلام إلى ما لا يحمد عقباه من النتائج.
فإن الكلام الكثير يعرّض صاحبه إلى الوقوع في الأخطاء الكثيرة أيضاً والدخول في مجالات بعضها هامشية قد تضر ولا تنفع، إضافة إلى أن الملل الناجم منه ربما ينزل بمستوى الحديث إلى مصاف الحديث العادي والكلمات فاقدة القيمة أو الشعارات التي تفتقد إلى المزيد من الواقعية.
التداعي الحر
هو أن تسمح للشخص الذي أمامك أن يستسلم لـ"تداعياته الحرة"، أي أن يذكر كل ما يخطر بذهنه دون مقاطعة أو نقد أو تقييم لما يقول، أو التقليل من أهمية ما يذكر, بحجة أنها ليست هامة بالقدر الكافي أو أنه لا حاجة إليها أو كذلك بحجة أنه لا معنى لها إطلاقًا.
من الضروري جدا أن نسمح للشريك بالتداعي الحر من وقت لآخر لأنه يشعره بالراحة والتقبل والاحتواء أيا كان ما يقوله يجب أن نستمع له باهتمام لإخراج الأفكار والمشاعر المكبوتة بفعل المقاومات.
والشريك الذكي هو الذي يعطي شريكه الأمان للبوح ويصغي في هدوء وتأمل، دون مقاطعة، ويستطيع أن يستخدم المعطيات التي كشف عنها شريكه فيعرف مشاعره ورغباته ومخاوفه وأحلامه المكبوتة, ويساعده على إدراكها وتحقيقها إن أمكن.
استمع للشريك لكي لا تخسره
إن الإنسان إذا أحس بحاجته إلى الكلام سيكون مشدوداً إلى البوح, وربما تنشحن نفسه بذلك وتكبر الشحنات وتتفاعل معه كلما تأخر إفراغها وإثارتها. وعليه فلا بد لهذه الشحنات من تفريغ، فإذا وجد الإنسان أمامه من يستمع إليه من الأفراد الذين يهمه سماعهم أو يريد إيصال كلامه إليهم يكون قد شعر بأنه أدى ما عليه وحقق بعض غرضه, وأما إذا وجد أمامه الباب موصداً, فإن ذلك سينعكس عليه سلباً, وربما يصدمه نفسياً, ويعود إلى ما لا يحمد عقباه من ردود الفعل.
لأن الكلام شحنة كبيرة في النفس وطاقة جبارة, لابد أن نوجد لها منافذ للتنفيس أو التنظيم, لكي نستثمر إيجابياته ونحد من سلبياته. وينبغي أن لا ننسى أبداً أن السيل الجارف يتكون من القطرات والقشة ربما تقصم ظهر البعير, والكثير من المشاكل العويصة والأزمات الخطيرة كانت في بادئ أمرها صغيرة, ولما لم نلتفت إلى احتوائها وتحديدها تكبر ثم تنفجر وتعود على الجميع بالضرر.
فمثلاً قد ينجذب الشريك لمن يستمع إليه ويقدر بوحه وبالتالي نكون قد أنهينا العلاقة مع الشريك بإغفال أهمية الاستماع، فإما أن نصل إلى البرود في العلاقة أو ننهيها تماماً بجهلنا.