معلوم أن الشخص القدوة هو من يتأسّى به الناس في تصرفاتهم، ويتخذون منه نموذجًا ومثالًا في الخير أو في الشرّ، وهو الأصل التي تتشعب منه الفروع، والناس في غالبها تبحث عن القدوة الحسنة التي تطمئن لها وتعتبرها خير دليل لها للوصول إلى المبتغى.
ويعاني الشباب في زماننا هذا من غياب القدوات، حيث إنّ ظروف الحياة وأعباءها فرضت على كثير من الناس الانشغال عن القيام بواجبات القدوة والتزاماتها، فالأنبياء والمرسلون؛ استحقوا أن يكونوا قدوات في أقوامهم؛ لأنهم حملوا الأمانة بصدق، واجتهدوا في تبليغ رسالتهم، وتركوا مثالًا صادقًا في معاني القدوة في كل من عرفهم وكل من عايشهم، وكان يشار إليهم بالبنان على أنهم قوم مصلحون لما يعاينونه منهم من صدق في القول وتطبيق بالفعل، وليس مجرد شعارات وكلمات فارغة من الداخل لا وزن لها ولا قيمة.
هذا الغياب الذي يشعر به الشباب اليوم؛ أفقد الكثيرين منهم بوصلته تجاه الحق والصواب، خاصة وأن الشباب الفلسطيني يعاني من فراغ وبطالة قاتلة، فرضتها الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يحياها شعبنا بفعل المؤامرات الظالمة بحقه من البيئة التي تحيط به، سواءً من أبناء دينه من العرب والمسلمين؛ أو حتى من أعدائه من اليهود والغرب بشكل عام.
فالحصار والتجويع والقهر يا كرام؛ جعل دور القدوة أكثر تعقيدًا، فهي بحاجة إلى أن يقرع الشخص القدوة بنفسه باب الشباب للوصول إليهم، وما يراه أصحاب الفكر والدراية في واقعنا في الكثير من الميادين؛ وجود نشاط واضح لقدوات سيئة من أهل الباطل، ممن يظنون أنهم على صواب، حيث إنهم يتقربون من الشباب، ويقتحمون عليهم كل باب، ويدسّون في عقولهم وسائل الشرّ بلغة مهذّبة وموشحة بالدين أحيانًا؛ وبالمال أحيانًا أخرى، ويسوّقون عليهم الشرف والحرص على المصلحة كمن يدسّ السمّ في العسل، وهذا الجهد يبدو واضحًا أكثر بكثير من القدوات الحسنة التي تجلس في أماكن بعيدة، وكأنها تعيش في صحراء، أو كأنها بيّتت نية الاعتكاف في كهوف لا يعلم الشباب مكانًا لها كي يلحقوا بهم فينهلوا من خيرهم، ويتلمّسوا من بركاتهم!
الحقيقة يا سادة والتي ينبغي أن نكون على يقين بها، هي أنّ القدوات الصالحة في مجتمعنا الفلسطيني كثيرة وكثيرة، وهناك جزء كبير منها قائم بواجب كبير في أداء رسالة الخير للشباب وللمجتمع بأسره، غير أنّنا لا بدّ أن نعترف بوجود قصور واضح في واجب القدوة في طَرق الأبواب والوصول إلى الناس، وعدم الاكتفاء بالواجبات العامة، بل المطلوب منها أن تتلمس حاجة الناس، وتتابع السقطات لديهم، فتعزّز عندهم حبّ الخير، وتحذرهم من الوقوع في الغيّ والضلال.
والأمثلة كثيرة على غياب الدور التوعوي والدعوي والتوجيهي من القدوات الحسنة في المجتمع، ولو عقدنا مقارنة بين جهد القدوة الحسنة والقدوة السيئة، قد نجد بأن القدوة السيئة أكثر نشاطًا وأكثر حضورًا في الصورة للأسف، لك أن تسير في الطرقات؛ لتجد مجموعات من الشباب الجالسة على الطرقات تشعل "الأرجيلة"، وفي الأسواق كذلك، وعلى المقاهي، وعلى المباريات وفي ميادين كثيرة غير مجدية، وكذلك لو تابعت القضايا الجنائية والتحقيقات الشرطية وقضايا الذمم المالية وغيرها، ستجد الكثيرين وقعوا في سفاسف الأمور البسيطة التي يستدرجهم الشيطان بها، كله بسبب غياب القدوات التي تمرّ عن المنكر ولا تنكره، ولا توجد بديلًا عنه لتمنع انحراف الشباب، حتى القدوة في المنزل باتت مغيّبة، الوالد والوالدة والإخوان، كلّ مشغول بنفسه، وينسى أقرب الناس إليه، فقد يكون رب الأسرة مدخنًا ويعاقب ولده إن رآه يدخّن، ونماذج كثيرة لا حصر لها من التفريط في مقام القدوات.
فلنحرص يا كرام، كلّ في موطنه ومجال تخصصه، وبيئته الصغيرة أو الكبيرة، على إعادة دور القدوة الحسنة في مجتمعنا، لأننا يومًا سيسألنا الله عز وجل عن أعمارنا فيما قضيناها، ولنتذكر أن طريق التحرير يحتاج لهذه القدوات التي ستأخذ على عاتقها عودة المجد الغائب للأمة، وحتى نستحق بحق أن نكون من الجيل الذي يفتح بيت المقدس على رايات الإيمان وصيحات التكبير، ونكون على قدر المسؤولية أمام الشعوب الحرّة في العالم التي تنظر لشعب فلسطين على أنه كالحجر الأسود في الكعبة قداسة ومهابة وثباتًا.