يلتقي في مدينة إسطنبول غداً الأربعاء زعماء الدول الإسلامية، في واحدة من القمم الاستثنائية الأهم في تاريخ منظمة التعاون الإسلامي لبحث قضية شكلت السبب المباشر لتأسيس المنظمة وعقد قمتها الأولى عام 1969، وهي قضية مدينة القدس والمسجد الأقصى، الذي تعرض لحريق مفتعل في ذلك العام.
والقضية الوحيدة المدرجة على أعمال القمة الإسلامية الطارئة هي كيفية الرد على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والشروع بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى هذه المدينة التي قال الرئيس التركي رجب طيب أروغان إن أي تغيير في وضعها هو "خط أحمر للمسلمين".
وقال الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، الأسبوع الماضي إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعا إلى قمة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي "لإفساح المجال أمام الدول الإسلامية للتحرك بشكل موحد ومنسق في مواجهة هذه التطورات".
وتحدث الرئيس أردوغان، قبيل قرار ترامب بساعات، عن احتمال قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل إذا اقدمت واشنطن على الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، وفور صدور القرار باشر أردوغان التحرك بالدعوة إلى قمة للدول الإسلامية في إسطنبول، وأجرى اتصالات هاتفية بعدد كبير من الزعماء.
وقال المتحدث باسم الحكومة التركية، بكر بوزداع، أمس الاثنين، إنه يتعين "الخروج بموقف أبعد من الإدانات" في قمة قادة دول منظمة التعاون الإسلامي.
وأكدت المنظمة تحركها العاجل بعقد قمة استثنائية في إسطنبول، بهدف "صياغة موقف إسلامي موحد إزاء هذا التصعيد الخطير"، كما أكدت موقفها الثابت تجاه القدس باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.
3 قرارات محتملة:
من الواضح أن الرئيس التركي أراد من خلال الدعوة لعقد القمة الإسلامية الطارئة في إسطنبول، بالتزامن مع صدور مواقف تركية مرتفعة السقف كرد على القرارات الأمريكية بشأن القدس، أن يبعث برسالة قوية إلى البيت الأبيض، مفادها أن تركيا ليست وحيدة في مواقفها الغاضبة وأنها بالأحرى تعكس غضب أكثر من 57 دولة إسلامية.
ويتوقع مراقبون، على ضوء تصريحات المسؤولين الأتراك وكثافة الجهود التي تبذلها أنقرة لإنجاح القمة والتأكد من أنها ستخرج بقرارات جدية وذات أثر عملي، أن تصدر عن القمة 3 قرارات مهمة محتملة.
الأول يشمل دعوة الدول الأعضاء الذين تربطهم بإسرائيل علاقات دبلوماسية إلى قطع أو تجميد هذه العلاقات، وذلك كدعوة غير ملزمة في الحد الأدنى، والثاني يتضمن الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة فلسطين بالتزامن مع الرفض المطلق للقرار الأمريكي الأخير، وهذا القرار مرجح بقوة.
وقد يكون القرار الثالث المحتمل التهديد بخطوات أبعد من ذلك، مثل "الدعوة" إلى نشر قوات من دول إسلامية في القدس، ولو من دون اتخاذ قرار بإرسالها فعلياً. وهذا التهديد على الأرجح سيكون مطروحاً أمام الزعماء المسلمين كمسودة على الأقل، فيما يعتمد إقراره على مدى تجاوب معظم الدول المشاركة.
وقد أشار وزير الدفاع الماليزي، هشام الدين حسين، إلى ذلك بوضوح عندما قال خلال اجتماع للكتلة البرلمانية لحزبه السبت الماضي إن جيش ماليزيا مستعد للتحرك من أجل القدس "في حال تحرك الزعماء رفيعو المستوى، وقدموا مقترحاً".
قيادة تركية للتحرك:
تتولى تركيا حالياً رئاسة منظمة التعاون الإسلامي، وبوصفها كذلك قامت بالدعوة إلى القمة الطارئة في إسطنبول. لكن أنقرة لا تنطلق من دورها هذا في إدارة ملف القدس فحسب، بل تسعى لقيادة التحرك الإسلامي في اختبار نادر لنفوذها الدولي ودورها المتنامي في قيادة العالم الإسلامي.
واستبق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انعقاد القمة بـ17 اتصالاً هاتفياً أجراها مع زعماء من المنطقة والعالم، بهدف التمهيد للحراك الإسلامي الدولي ونيل دعم وتأييد أكبر عدد ممكن من الدول.
ومن الواضح أن السياق الذي تنعقد فيه قمة إسطنبول لا يمثل اختباراً لقيادة تركيا للعالم الإسلامي في قضية حساسة وجوهرية وهي قضية القدس فحسب، بل مخاطرة بعلاقاتها التي لم يمض أكثر من عام على إعادة تطبيعها مع إسرائيل، وأيضاً بمزيد من التوتر مع الولايات المتحدة.
لكن الحسابات التركية تبدو دقيقة للغاية، إذ تستند في إدارتها للموقف إلى ما يشبه الإجماع الدولي على رفض القرارات الأمريكية بشأن القدس، وكذلك الموقف الأوروبي الموحد من هذه القرارات، ناهيك عن الموقف في معظم الدول الإقليمية والإسلامية على المستويين الشعبي والرسمي المؤيد للتحرك بقوة من أجل القدس والمؤيد أيضاً لقيادة تركيا لهذا التحرك.
تعويل على قمة إسطنبول
يعول عدد من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على قمة إسطنبول المرتقبة، على أمل صياغة تحرك جماعي وموحد يفرغ قرار واشنطن تجاه القدس من مضمونه عبر مواجهته بقرارات تنتصر للحق الفلسطيني والإسلامي في المدينة، وربما يجبرها على التراجع عنه.
وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية اللبناني، بيار رفول، أكد لوكالة الاناضول: "نعوّل على مبادرة الرئيس رجب طيب أردوغان (بالدعوة لقمة إسلامية طارئة) وهي مبادرة طليعية في هذا الظرف الدقيق"، مؤكداً أن الرئيس التركي "قام بمبادرة رائدة عبر مطالبة كل الدول أن تأتي وتعطي رأياً مشتركاً حول القدس، العالم معنا وينتظرنا".
من جهته، أعرب رئيس مجلس النواب الأردني، عاطف الطراونة، عن ترقب بلاده لما ستسفر عنه القمة الإسلامية الطارئة، وقال: "ننظر في الأردن بعين الترقب والاهتمام إلى ما ستتمخض عنه قمة إسطنبول"، مضيفاً: "الأردن وتركيا يقومان بجهد ملحوظ وفاعل بمجابهة القرار الأمريكي".
وعبر مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية، السفير أحمد بن سعيد الرميحي عن أمله في أن تخرج قمة إسطنبول الإسلامية "بخطة عمل واضحة تقود إلى إقناع الإدارة الأمريكية بالعدول عن قرارها، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية".
واعتبر المسؤول القطري أن مواقف تركيا تجاه قضايا الأمة الإسلامية "تاريخية ومشرفة"، لافتاً إلى أن "شعوب الدول الإسلامية تقدر هذه المواقف لتماهيها مع آمالها وتطلعاتها".
المصدر: وكالة الأناضول