فلسطين أون لاين

​أدوارٌ عظيمةٌ لنساء رائعات إبان الانتفاضة الأولى

...
غزة - نسمة حمتو

صامدة مناضلة هي المرأة الفلسطينية في مراحل التاريخ الفلسطيني جميعًا؛ ففي الانتفاضة الأولى عام 1987م كانت شريكة الرجل في السلاح والنضال والمقاومة، وهي من تحملت العبء الأكبر في حماية المجاهدين وتأمين الطرق لهم.

لم يقتصر دورها على ذلك فحسب، فكانت قبلُ حاضنةً لأبنائها ترعاهم وتدير أمورهم في غياب زوجها المجاهد، تحفظ أسراره، كانت سندًا جميلًا في كل دور.

إيصال الحجارة إلى الأطفال

تسرد نجاح البطنيجي مسئولة وحدة العمل النسائي في هيئة التوجيه السياسي بعض المواقف عن الانتفاضة الأولى، فيما يتعلق بحماية الشباب والأطفال من جنود الاحتلال: "لا يفارقني ذلك المشهد حين كان يهرب الأطفال في تلك المدة من مركبات الاحتلال العسكرية، حين كان يرمون الحجارة ويهربون إلى المنازل، فتأتي دوريات الجيش تبحث عنهم، أذكر في إحدى المرات أن إحدى نساء الحي خبّأت طفلًا في عباءتها".

وتضيف: "كان يهرب الشباب ونُغلق الباب، وعندما يأتي جنود الاحتلال يهربون بين الأشجار والمنازل، ويحتمون داخل الغرف أو الدواليب، النساء جميعًا كن حريصات على إخفاء الشباب بمختلف الأساليب".

وتتابع حديثها عن ذكريات الانتفاضة ودور النساء في حماية المجاهدين: "أتذكر أنه في ساحة سوق الجمعة استشهد الشاب سليمان حلس، وبمساعدة مجموعة من النساء استطعنا انتشال جثمانه من ساحة المواجهة".

وكان من أبرز أدوار النساء في الانتفاضة الأولى إيصال الحجارة إلى الأطفال والشباب، إضافةً إلى تقديم الطعام والشراب والمأوى للمجاهدين.

مشاركة فاعلة

إضافة إلى الدور الرائد للنساء في مساعدة المجاهدين كان لهن دور آخر في المواجهة المباشرة مع جنود الاحتلال، تقول البطنيجي: "طالما تعرض جنود الاحتلال للنساء بالضرب والشتائم وهن يحمين الشباب، أذكر أننا كنا نستيقظ في ساعاتٍ متأخرة من الليل نضع المتاريس ونساعد الشباب في الكتابة على الجدران، وعندما يجتمع جنود الاحتلال لاعتقال أحد الشباب تخرج النساء جميعًا مرةً واحدة حول الجنود لتخليصه من قبضتهم".

تضيف: "أذكر أن إحداهن كانت حاملًا، ورطمها جنود الاحتلال بالبندقية في بطنها، ولكنها كانت تدافع بقوة عن أحد الشباب حتى خلّصته من بين أيديهم وهرب".

وكانت المرأة في عهد الانتفاضة تشارك في الاعتصامات والتظاهرات وتصطدم مع قوات الاحتلال، تقف في وجه الغازات السامة والدبابات والرصاص، وتقدم فلذات كبدها والأجنة في بطونها شهداء على درب الاستقلال والنصر، نتيجة استنشاق الغازات السامة، أو الاستشهاد، أو الضرب على أيدي جنود الاحتلال.

تتابع البطنيجي حديثها: "مارست المرأة أيضًا دورًا فاعلًا في تنظيم الفعاليات النسائية بتوعية المرأة دورها في الانتفاضة، فأصدرت البيانات الخاصة بالمرأة الفلسطينية بما ينسجم مع برامج بيانات القيادة الموحدة".

وبالانتقال إلى أم شادي المغني _وهي إحدى النساء اللواتي عايشن الانتفاضة الأولى، وكان لهن دور كبير في مساعدة الشباب والأطفال في تلك المدة_ تقول: "كان لكل امرأة فلسطينية دور فعال في تللك المدة، بالكتابة على الجدران، أو تهريب الأطفال كي لا يقعوا في قبضة جنود الاحتلال، أو حماية الشباب وتأمين الطعام لهم".

تروي بعض المواقف بالقول: "أذكر أن أحد الشباب دخل منزلًا لا يعرفه هربًا من جنود الاحتلال، فطلبت منه صاحبة المنزل خلع قميصه وارتداء آخر، وعندما وصل جنود الاحتلال لم يعرفوه، أيضًا جنود الاحتلال كانوا يلاحقون الأطفال الذين يُلقون الحجارة، حتى إننا كنا أحيانًا نخبئهم في أماكنٍ غير معروفة، أو نجدهم يقفزون من فوق الجدران من منزل إلى آخر".

وتضيف: "كثير من الحِيل كانت تستخدمها النساء لإخفاء الشباب، أو تقديم المساعدات للمجاهدين، كلٌّ يذكر فضل المرأة ودورها العظيم في تلك المدة؛ فهي شريكة للرجل في النضال وفي كل شيء".

دعم الزوج

بدورها تؤكد مديرة دائرة العمل النسائي في وزارة الأوقاف والشئون الدينية كفاح الرملي أن المرأة الفلسطينية كان لها دور كبير في دعم الانتفاضة بدعمها للزوج والابن والأخ والأب.

وتتابع الرملي حديثها عن ذكرياتها مع الانتفاضة الأولى: "كانت الأم في تلك المدة لا تمانع خروج ابنها أو زوجها للمشاركة في الانتفاضة، وكان لها دور واضح في الأحداث التي كانت تحصل بالأزقة والشوارع".

وتضيف: "على سبيل المثال الغاز المسيل للدموع بات أمرًا عاديًّا عند الكثير من النساء، وهن يعرفن أن البصل والثوم لهما مفعول يبطل أثره، فكانا دائمًا متوافرين في المنازل كي يساعدن الشباب".

وتمضي بالقول: "عند اعتقال أحد الشباب كانت تخرج إحداهن لتصرخ في وجه الاحتلال، الذي لم يكن لجنوده جرأة في تلك المدة على مد أيديهم على إحداهن، كان للنساء هيبة، وهذا ما ساعدهن على تحرير الشباب من أيدي اليهود".

وتبين أنه عند نشوب المواجهات بين الشباب وجنود الاحتلال كان يقفز الشباب فوق الأسطح، حيث تحرص صاحبة المنزل على تأمين الشاب، وأحيانًا تعطيه حجابًا ليرتديه خوفًا عليه من الجنود.

عماد ويحيى

من المواقف الطريفة التي تتذكرها الرملي عن دور النساء أنهن كُن قادرات على إخفاء الشباب والأطفال في أماكن ضيقة وغير ظاهرة، كالخزانة أو أسفل السرير أو براميل الدقيق، تضيف: "كن نضع الطفل في برميل الدقيق، ونغلق عليه، وبعد أن يذهب جنود الاحتلال نخرجه".

وتكمل حديثها: "كانت النساء يجمعن إطارات السيارات في الشارع لإشعالها، وكن يصنعن الطعام لمجموعةٍ من الشباب بالتناوب، حتى عملية الكتابة على الجدران في الليل كان للنساء دور كبير فيها".

من ضمن الأدوار التي كانت تقوم بها النساء إيصال "رسائل الشيفرة"، كن يصلن إلى "النقاط الميتة"، أي الأماكن غير المعروفة، لتوصيل الرسائل التي كانت عبارة عن رموز بين المجاهدين لا يستطيع فكها إلا المعني بالرسالة.

تقول الرملي: "إن النساء كان لهن دورٌ في توصيل النقود إلى أهالي الشهداء والأسرى، فضلًا عن الزيارات الميدانية لتقديم الدعم النفسي لأهالي الشهداء والأسرى".

وتتابع: "ولا أحد ممن عاش في تلك الحقبة ينسى دور المرأة في جلب الحجارة وتكسيرها، ووضعها في دلاء ثم وضعها على ناصية الطرق، حتى تكون جاهزة للشباب، وكانت المرأة بنفسها تلقي (المولوتوف)".

وحسب شهادة الرملي لم يتوقف دور النساء عند هذا الحد، فكان لهن دور في إيواء المجاهدين، وتصنيع (المولوتوف) بأدوات بسيطة، كالاستعانة بزجاجة فارغة وفتيل وبعض البنزين أو الكاز.

تضيف: "كان هناك أكثر من عائلة حمت الشهيدين عماد عقل ويحيى عياش، مع أن قضية تأمين المجاهدين كانت صعبة، أذكر أن عائلة آوت "يحيى عياش" في منزلها، وكان بعض لا يعرفون أنه يحيى عياش، علمًا أن هذين المجاهدين كانا كثيري الصيام والقيام والصلاة وقراءة القرآن".

وتمضي بالقول: "كانت النساء يقمن بعلاج الجرحى، فبعض العائلات كان يمكث عندها المجاهد أربعة أشهر أو أكثر حتى يشفى تمامًا، دون أن يعرف أحد شيئًا عنه".

تقول: "(المرأة لا تحفظ الأسرار) هذه فكرة ليست دقيقة، بدليل أنها في أيام الانتفاضة حفظت أسرار بيتها وزوجها، وكانت تترك بيتها في بعض الأحيان من العصر إلى العشاء، كي يتحرك المجاهدون في المنزل بأريحية وحدهم".

وتختم حديثها: "كانت تحمل الرسائل من المطارد أو الجريح إلى عائلته، دون أن تذكر أنها تؤويه عندها، المرأة فعلًا كانت شريكة الرجل في السلاح والنضال، وهي من تحملت الدور الأكبر في رعاية الأبناء في الوقت الذي كان زوجها يناضل ويدافع عن الوطن".