سار موكب الشهيد محمد الصفدي على عجل من أمام منزله في حي الدرج، شرقي مدينة غزة، لحظة أن أطلق مقاومون الأعيرة النارية في الهواء غضبًا بعد رحيله. ذات المشهد تكرر أمام منزل الشهيد محمود العطل، في حي الشيخ رضوان، شمالي المدينة، في أثناء تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير.
الشهيدان الصفدي (25 عامًا) والعطل (29 عامًا) قضيا في قصف استهدف موقعًا في جنوبي مدينة غزة يتبع كتائب القسام؛ الجناح العسكري الذي ينتمي إليه الشابان، فجر أمس.
ومع إشراقة الشمس، وصل خبر استشهادهما إلى ذويهما، فهيمن الحزن عليها، ولم يعد يرى في عيونهم سوى دموع الفراق.
هناك؛ في حي الدرج، تجمع المئات أمام منزل الشهيد الصفدي، مرتقبين لحظات وصوله على متن أحد جيبات القسام التي انطلقت بجثمانه من مستشفى الشفاء، إلى منزل ذويه، لإلقاء نظرة الوداع قبل تشييع جثمانه.
وتعلقت أعين هؤلاء بجثمان الشهيد، وقد حمله مقاتلو الكتائب الملثمون، وكانوا بالعشرات، إلى والدته لإلقاء نظرة الوداع.
ومع ذلك، أطلق مقاومون زخات من الرصاص في الهواء.
ووقف الشاب منار أبو سليمان، واجمًا أمام كل هذا، وتملكه الحزن الشديد على جاره الصفدي.
"كان شابًا خلوقًا. سيفتقده الجميع في كل لحظة" قال أبو سليمان لـ"فلسطين"، وبدا حزينًا.
والشاب محمد، هو شقيق القائد الميداني في كتائب القسام محمود الصفدي، الذي قضى في حادث عرضي في 2014، قبل شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الموسع على غزة والذي امتد 51 يومًا في صيف ذلك العام.
إذًا، ثمة مشهد تكرر مرتين لدى عائلة الصفدي، الأول في وداع محمود، والثاني في وداع شقيقه محمد، ولم يفصل بينهما سوى بضع سنين.
ويقول أحد أصدقاء الشهيد محمد: "كانت والدته تعرض عليه الزواج، ولكنه كان يرفض"؛ ويضيف: "أراد الشهادة فنالها".
وكان جيش الاحتلال شن سلسلة غارات على مواقع لكتائب القسام في مناطق متفرقة من قطاع غزة مساء الجمعة وفجر أمس السبت.
وكان الشاب العطل، الحافظ للقرآن الكريم، على موعد مع القصف الإسرائيلي الذي أودى بحياته والصفدي معًا في لحظة واحدة.
وتجلى الغضب على وجوه الجماهير التي احتشدت أمام منزل الشهيد في حي الشيخ رضوان، فيما هيمن الحزن بقوة على ذويه، وجعلهم يبكون رجالاً ونساءً.
"كان شابًا طيبًا ويتمنى الشهادة منذ أن كان صغيرًا، وزاد تمسكه بها بعد أن استشهد بعض أصدقائه" يقول لـ"فلسطين"، أمجد هتهت وهو زوج شقيقة الشهيد العطل، ومن المقربين له.
يضيف هتهت: "كان استشهاده خبرًا متوقعًا لشاب مجاهد مثله".
ويعرف هتهت، الذي ملأت الدموع عينيه، أن الشهيد واحد من ألوف مؤلفة من المقاومين المدربين على مواجهة جيش الاحتلال، ولن يكون أغلى من فلسطين والقدس، كما يقول.
"كان جزءًا من عجلة المقاومة التي قدمت من قبله كبار القادة وبقيت المقاومة من بعدهم"، يتابع هتهت.
ويرى في استشهاد العطل، رسالة لمقاومين آخرين بأن يكونوا على قدر المسؤولية، وإكمال المشوار من بعده.
الصفدي والعطل، هما أول شهيدين من كتائب القسام يقضيان في "انتفاضة الغضب" التي أعلن اسمها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، يوم الخميس، بعد سلسلة ردود فعل رافضة ومناوئة لإعلان رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب، القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، يوم الأربعاء الماضي. وأثار إعلان ترامب ذلك غضبًا عالميًا.
رحيل الشابين الصفدي والعطل، لم يكن سوى بداية جديدة للإعداد لمواجهة قد تلوح في الأفق مع جيش الاحتلال، يستعد لها آلاف المقاومين من مختلف الفصائل، من فوق الأرض ومن تحتها.