العالم بأسره ومؤسسات البحوث والدراسات ومراكز دعم القرار تراقب عن كثب المواقف الرسمية والشعبية للفلسطينيين والعرب والمسلمين ردا على القرار الأحمق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، وبناء على تلك المواقف والقرارات ستتحدد معالم السياسة في المرحلة القادمة ليس للقدس وفلسطين فحسب بل للشرق العربي بأسره !!.
خروج المسيرات والتظاهرات الغاضبة وتنظيم الاعتصامات والاحتجاجات في غاية الأهمية لكن السؤال الأهم ماذا بعد ؟ ماذا نحن فاعلون ؟ ، وهل يمكن فعلا أن نحول التهديد الى فرصة وتحدٍ ثم نقطة قوة كما يقول خبراء التخطيط ؟ الأمر بتقديري أكبر وأخطر من نقل سفارة ، وربما تمثل انقلابا في السياسة الأمريكية !!.
إن الخطوة الأولى يجب أن تكون فلسطينية ومبادرة تبدأ بقرار واضح وصريح بانتهاء ما يسمى مسيرة التسوية ووهم الرعاية الامريكية ، وسحب اعتراف منظمة التحرير بـ "اسرائيل" والتحلل من اتفاق أوسلو ووقف التنسيق الأمني واللقاء السياسي مع الاحتلال واطلاق يد المقاومة في الضفة المحتلة، والاستقواء بالمجموع الوطني في خندق الصمود والمقاومة بكافة أشكالها ، واتمام المصالحة ورفع العقوبات عن غزة ، ودعوة الاطار القيادي المؤقت لتحديد الخطوات القادمة بعقل جمعي حكيم يرسم استراتيجية وطنية للتحرير وإلا فإن الاتهامات ستلاحقنا بأن الألقاب والمناصب وبطاقات (V I P) أغلى من القدس !!.
وننتظر من النظام العربي الرسمي –إن كان صادقا في حبه للقدس – إنهاء الصراعات الداخلية فورا وحل الخلافات وتعزيز الوحدة العربية ، وإغلاق السفارات الاسرائيلية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الادارة الأمريكية والأهم سحب الاستثمارات العربية من الولايات المتحدة والأموال العربية من البنوك الغربية ، وتفعيل قرار المقاطعة ورفض التطبيع وتفعيل الدفاع العربي المشترك ، ودعم مدينة القدس وأهلها وصمودها بكل ما يملكون .
العالم الاسلامي عليه واجبات كثيرة تبدأ بتعزيز مفهوم القدس ومكانتها في وعي الجماهير المسلمة ، وحظر كل علاقة مع "اسرائيل" ، ودعم القدس وفلسطين في كل المجالات لاسيما سياسيا وماليا واقتصاديا وإعلاميا ، وقطع العلاقات مع الإدارة الأمريكية .
ونتوقع من كل حر في العالم الوقوف بقوة أمام التعنت الإسرائيلي وإثارة الحروب والعنف ، والعمل لإحلال السلام في وطن السلام من خلال مقاطعة الاحتلال وأدواته سياسيا واقتصاديا، وملاحقته قانونيا ، وافشال مخططاته ، ومحاصرة السفارات الاسرائيلية .
بقرارها الغبي تكافئ الادارة الأمريكية قيادة منظمة التحرير على 26 عاما من سراب السلام ، في تماثل كامل مع حكومة الاحتلال ، ترامب الذي فشل في كل وعوده الانتخابية ولم يستطع بناء جدار مع المكسيك لكنه استولى على مليارات العرب أمام عدسات الكاميرات ، والتحقيقات التي تلاحقه واتصالاته الروسية التي قد تطرده من البيت الأبيض يريد أن يدفع ثمنها شعبنا وقدسه ، وهو ما يعكس حجم الضعف الفلسطيني والتخاذل العربي والاسلامي وبالمقابل حجم الدعم الأمريكي اللامحدود لـ "إسرائيل" !!.
أيها الفلسطينيون العالم ينظر إلى قراراتكم وخطواتكم وانتفاضتكم ، فالوقت من دم ومقدسات ووطن ، ورغم حالة الانهاك والاحباط التي تعرض لها شعبنا لكنه يتمتع بقوة ضخمة من المخزون الثوري والكفاحي والتضحية من أجل أرضه ومقدساته ووطنه ، خطواتنا القادمة ستحدد مستقبلنا وربما مصير المنطقة والعالم بأسره .
إن شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات يمتلك الكثير من المقومات والخبرات والكفاءات التي نستطيع بقيادة واعية توظيفها في برنامج وطني عماده الصمود والمقاومة تأخذ بالاعتبار خصوصية كل منطقة وأسلوبها في المواجهة والنضال.
دون ذلك لن نستطيع الوفاء بأمانة القدس وسيكون حبنا للقدس كمزاعم حب الأسباط لأخيهم يوسف ، وإن لم نفعل ما تستوجبه تحديات المرحلة فالأسوأ لم يأت بعد !!.