كمجتمعات شرقية لا يمكن أن نتخيل الفصل بين الأهل والأبناء حتى لو كان الفصل في محل السكن، فالتواصل موجود والتدخلات الأسرية في العلاقات الزوجية للأبناء واردة مع اختلاف النسبة والكيفية، فهناك مجتمعات ما زالت بدائية يتحكم فيها الأهل بحياة أبنائهم بشكل كبير جداً، وهناك مجتمعات متعلمة يتفاوت فيها التدخل بتفاوت المستوى التعليمي والفكري للأهل وللأبناء.
وبين هذا التفاوت وذاك التدخل من قبل الأهل موجود وله تأثيراته سلبية كانت أو إيجابية، وقد أكد خبراء علم النفس أن أخطر المشاكل التي تواجه الأسرة هي تدخلات الأهل في الحياة الزوجية سواء في شؤون معيشة الزوجين, أو قراراتها الخاصة, أو في العلاقة الزوجية أو تربية الأبناء. وانقياد أحد الزوجين لهذا التدخل يدمر الحياة الزوجية إن كانت التدخلات سلبية وهدامة.
أفكار موروثة
يعطي المجتمع الحق للأهل بالتدخل في حياة أبنائهم كتطبيق للموروثات الثقافية, بأن الابن جزء لا يتجزأ من المنظومة الأسرية الممتدة, وأن التدخل يجب أن يحدث سواء برغبة وطلب من أحد الزوجين, أو فضولاً وعنوة.
ويعتبر التدخل من الأهل في الحياة الزوجية مؤثراً سلبياً على العلاقات الزوجية, ويهدد استمرارها, خاصة إن كان هذا التدخل بعيداً عن مصلحة بقاء الزوجين واستمرارية علاقتهما, حيث يصعد الخلاف ويضخمه بشكل كبير لاسيما وإن جاء التدخل بالاستماع لطرف واحد فقط.
ولا يقتصر تدخل الأهل السلبي الهدام على التحريض وتأجيج الخلاف بين الزوجين, بل من الممكن أن يأتي على شكل إسكات للزوجة المظلومة المعنفة المضطهدة, ومطالبتها بالصبر والاحتمال مهما كانت الضغوطات التي تتعرض لها والمعاناة التي تعيشها خشية من الانفصال ومواجهة المجتمع بلقب المطلقة، وبهذا يصبح تدخل الأهل السندان الذي يثبت الزوجة لتنهال عليها مطرقة الزوج دون توقف.
ضعف شخصية أم رعاية زائدة؟
يعد تدخل الأهل في الحياة الزوجية لأبنائهم في الظاهر رعاية زائدة للأبناء الذين يفتقرون للقدرة على تسيير أمور حياتهم, بينما هو في الحقيقة إعلان مبطن لقصور الأبناء في إدارة حياتهم الخاصة, وحل مشكلاتهم.
وبدلاً من إرشاد الزوجين لأفضل الطرق لتفادي الخلاف وحل المشكلات, يقوم الأهل بمساندة ابنهم, وبتحريضه وإلقاء اللوم والتقصير على الشريك.
ويصنف الزوج الذي يسمح بتدخل أهله في حياته الزوجية وإشراكهم في المشكلات التي يواجهها, ضعيف الشخصية, حيث ينفذ مشورتهم, ويقحم أفكارهم الخاصة على حياته وعلاقته بزوجه.
ويفتقر الزوج ضعيف الشخصية للقوة الكافية لإدارة حياته الزوجية, وإيجاد الحلول الملائمة لمختلف المواقف والمشكلات التي تواجهه بنفسه, أو من خلال طلب الاستشارة من المختصين سواء عن طريق البحث والاطلاع أو استشارة ذوي التخصص في العلاقات الزوجية, أو اللجوء لنماذج ناجحة في حياتها الزوجية وطلب العون منها. ويستسهل اتباع أفكار الأهل وآرائهم حتى لو أدت إلى الطلاق.
ثرثرة أم طلب النصح؟
كثيراً ما نلاحظ تفشي عادة الثرثرة لدى الأزواج من كلا الجنسين وخاصة النساء في كل ما يتعلق بالحياة الزوجية وسرد التفاصيل التافهة قبل المهمة سواء للأهل أو الأصدقاء, وبمرور الأيام تتنامى هذه العادة حتى يعجز صاحبها عن التحكم بنفسه وفلترة ما يقال وما يجب ألا يقال، فلا تبقى للعلاقة الزوجية حرمتها ولا قدسيتها, وتصبح الأمور الخاصة مادة تلوكها الأفواه في المجالس الأسرية, فلا حفظ بيته, ولا استرشد بخبرة حكيم لإصلاح شؤونه وحل مشكلاته, وينتهي به الأمر غذاء دسماً للفضوليين, أو عبئاً على قلب يعجز عن تقديم نصح لشكوى لا تنتهي.
كيف نتعامل مع تدخلات الأهل؟
ومثلما يصنع المجتمع بأفكاره مأساة لكل من الزوجين عندما يبيح التدخلات السلبية في حياتهما لا بد من تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى المجتمع، بدءًا من الأسرة التي يجب أن تسلم بأن الخلاف وارد في بداية الحياة الزوجية وأن المحاولة القسرية لتطويع أحد الزوجين للآخر محاولة فاشلة, وأن التدخل لا بد أن يكون بنية الإيضاح والإصلاح وإيجاد الحلول وتقريب المسافات وليس لهدم البناء ولنقض الميثاق الغليظ بين الزوجين.
وكذلك ينبغي أن يتفق الزوجان ويلتزما بحصر جميع مشاكلهما فيما بينهما دون أن يشركا الآخرين بها, وأن يعملا على إيجاد الحلول الملائمة لهما، ويجب التعامل بحكمة مع تدخلات الأهل، وأن يحرص كل منها على إيصال رسائل للأهل مفادها أن تدبير أمورهما الخاصة يعد اختصاصهما، ويقع على عاتقهما فقط، وليس من حق أي كان التدخل فيه.
وعلى الزوجين طلب النصح إن استوجب الخلاف ذلك، ولكن دون الفضح والتجريح والتشهير، وتكون النية من وراء البوح الاسترشاد وطلب النصح لتقويم العلاقة وليس للثرثرة والشكوى، وعلى الأهل توجيه أبنائهم وتعليمهم مدى قداسة العلاقة الزوجية، ودعمهم للحفاظ على خصوصيتها.