جميع الذين وعدوا بإحداث تغيير في سورية لم يصمدوا عندما حانت ساعة الامتحان: الولايات المتحدة التي تعهدت بالتوصل إلى حل سياسي ينهي حكم الطاغية الأسد لم تحرك إصبعًا؛ والقوى الحليفة للمعارضة ما يسمى مجموعة أصدقاء سورية الأساسية في المنطقة لم تفعل شيئًا لوقف القتال من أجل إنقاذ حكم الأسد؛ والمجتمع الدولي الذي تخلى عن الشعب السوري ولم يوقف سفك الدماء الذي حصد قرابة نصف مليون قتيل حتى الآن لم يمنع هذه الكارثة الإنسانية الهائلة.
لكن الذي برز بصورة أساسية هو فشل سياسة الولايات المتحدة في سورية، ففي الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في محاولة للتوصل إلى حل؛ كانت الطائرات الروسية ومدافع الأسد تقصف المنطقة المحاصرة، وتصيب المدنيين عشوائيًّا، لقد اختارت الولايات المتحدة تقليص تدخلها في سورية ولم تشأ الغرق في مغامرة عسكرية جديدة في الشرق الأوسط تفرض عليها إرسال قوات برية، ونفضت يديها عندما خاب أملها في قدرة المعارضة المعتدلة على توحيد صفوفها، لكن سقوط حلب في يد الأسد هو أيضًا دليل على فشل القوى الإقليمية.
إضافة إلى ذلك يمكن القول: إن سقوط حلب سيعمق الثغرات والخلافات داخل مجموعات المعارضة، وبينهم وبين قيادة المعارضة السياسية، لم تنجح قوات المعارضة المسلحة في تشكيل إطار قيادة مشتركة في القتال، وهنا يطرح السؤال: ما الأهداف التي ستضعها المعارضة لنفسها؟، هل سيتبنون الأنموذج الأفغاني مع قوى منتشرة ومتحركة تعرقل كل إمكانية لإقامة نظام مستقر وطبيعي في سورية؟، نرى على الأرض دلائل تشير إلى أن المعارضة السورية تخطط للمرحلة المقبلة من ثورتهم المستمرة.
على الجانب الآخر لا يرى الأسد الانتصار في حلب نهاية صراعه دفاعًا عن بقائه، فهو قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الوطن" السورية: "إن السيطرة على حلب هي بمنزلة أخذ الأوراق من يد المتمردين ومؤيديهم، لكن هذا لا يشكل نهاية الحرب ضد الإرهابيين"، إن سقوط حلب يعزز سيطرة الأسد على "العمود الفقري" في سورية، الذي يمتد من حلب مرورًا بحماة وحمص وصولًا إلى دمشق، بما في ذلك الشريط الساحلي.
يبذل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كل ما في وسعه من أجل إنهاء المعركة في حلب قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومن أجل تعزيز سيطرة الأسد في المناطق الحيوية لروسيا، وجعلها مسألة منتهية، وفي الواقع يتعين على الرئيس الأميركي الجديد أن يقرر أسيواصل السياسة الحالية وعدم القيام بشيء، أم سيغير توجهه، مثل: 1- عقد حلف مع روسيا بناء على فكرة محاربة تنظيم داعش والإرهاب (ويبدو أن ترامب ينحو نحو هذا الاتجاه، فقد سبق أن ألمح إلى أنه مستعد لأن يعطي بوتين "بطاقة سورية")؛ 2- دعم نظام الأسد وقواته وإعلانه منتصرًا في الحرب على الإرهاب (وهذا وارد إذا تعهد الأسد بالامتناع عن القيام بعمليات تطهير للمعارضين له، وضم الجيش السوري الحر إلى القوى السياسية)؛ 3- بخصوص المساعدة العسكرية سيكون على ترامب أن يقرر هل سيتوقف عن مساعدة نحو 80 تنظيمًا من تنظيمات المعارضة دربتهم (سي آي إي) (نحو 50 ألف مقاتل)، وحصلوا على سلاح ولم يعطوا النتائج المطلوبة، فما الذي سيحدث لهؤلاء المقاتلين، إذا قرر وقف المساعدة أو تقليصها بصورة كبيرة؟؛ 4- على الصعيد التركي - الكردي إذا توصل إلى لغة مشتركة بين أردوغان وترامب؛ فمن المعقول ألا يعارض الأخير منطقة أمنية تركية على طول الحدود السورية - التركية داخل أراضي سورية؛ 5- بخصوص شمال شرق سورية جنرالات الجيش الأميركي سينصحون الرئيس بمواصلة القتال ضد تنظيم داعش، ومساعدة الأكراد على السيطرة على منطقة في وسطها الحسكة حيث سيكون في الإمكان إنشاء قيادة مركزية أميركية، والاحتفاظ بقوات وقواعد جوية ضرورية من أجل محاربة قوات تنظيم داعش، التي أثبتت أنها لا تزال حية وموجودة واستغلت انشغال الجميع بالمعارك في حلب كي تسيطر من جديد على مناطق في مدينة تدمر التاريخية.
إن الاختبار المباشر لترامب سيكون في المعركة على الرقة، عاصمة تنظيم داعش في سورية، وسيتعين عليه أن يقرر أستدفع الولايات المتحدة القوات الكردية وقوات سورية الديمقراطية التي أنشأها الأميركيون إلى السيطرة على المدينة قبل أن تفعل قوات الأسد ذلك، أم أنه سيسمح لقوات الأسد بالسيطرة على الرقة (على افتراض أنهم مهتمون بذلك في المرحلة الحالية) وتعزيز مكانة الأسد بوصفه "محاربًا للإرهاب"، في هذا السياق من المهم القول: إن توجهات الإستراتيجيا السياسية لإدارة ترامب ليست واضحة في هذه المرحلة.
وفيما يتعلق بالكيان العبري يزداد افتراض أنه بعد سقوط حلب ستحاول قوات الأسد بتشجيع خارجي توجيه مجهودها نحو جنوب سورية، من أجل السيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، في هذا الوضع سيدور قتال بالقرب من الحدود في هضبة الجولان بمشاركة قوات خارجية مع خطر كبير أن تنزلق الأحداث إلى مواجهة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.