استطاعت حركة المقاومة الإسلامية حماس خلال تسعة وعشرين عامًا أن تثبت حقيقة أكيدة، تخصها وتخص أبناءها ومناصريها والمراقبين لمسيرتها، أنها هي هي كما بدأت، لم تغير ولم تبدّل من مفهومها وأدبياتها، التي طالما أعلنتها عن نظرتها إلى القضية الفلسطينية، بل عززت ذلك بالفعل على الأرض، إذ عندما أعلنت حركة حماس يوم نشأتها أنّ ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة لم تأت حينها بجديد، فسبق أن أعلنت منظمة التحرير الشعار نفسه من خلال فصائلها، وعلى رأسها حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، مضت الأيام وإذا المنظمة تعلن بعد أربعة أعوام من تأسيس حماس أنها تعترف بالكيان العبري باعترافها بالقرار (242)، وتسير في طريق المفاوضات التي قادت إلى اتفاقيات أوسلو، أملًا في قيام دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلها الكيان عام 1967م، واختارت طريقًا غير السلاح لنضالها، فوصلت فيما بعد إلى طريق مسدود.
لم تتأثر حماس ببريق السلطة الناشئة مع الضغوط المختلفة التي أملت على حماس الاعتراف بالكيان العبري وحقه في الوجود، لتدفع بعد ذلك ثمن هذا الموقف من تقييد لحركتها السياسية، ومنعها من القيام بدورها المقاوم الذي اعتادت قبل أوسلو، وكان ذلك بذريعة الحفاظ على التزامات السلطة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي، والالتزام بنصوص الاتفاقيات الموقعة التي تلزم السلطة بمنع أي عمل ضد كيان الاحتلال المنخرط في عملية سياسية مع الفلسطينيين.
إنّ الضغوط التي مورست على حركة حماس قبل مشاركتها في الانتخابات التشريعية الثانية لا تذكر مع ما مورس عليها بعد فوزها بهذه الانتخابات، فقد أعلنت حماس أنها ستجمع بين السلطة والمقاومة، وستكون درعًا حامية للشعب الفلسطيني الذي ينشد حقه في تحقيق حلمه بتحرير أرضه، وإنها لم تغير نظريتها التي تعتمد على عدّ كل فلسطين أرضًا عربية وإسلامية، وأنها لن تتنازل عن ذلك الحق.
لقد أعيق عمل الحكومة العاشرة التي شكّلتها حركة حماس بعد فوزها بالانتخابات، ومنع عنها الدعم، وقاد ذلك الأمر إلى مواجهات فلسطينية داخلية أدت إلى الانقسام بين الضفة وغزة.
لقد أكدت حكومة حماس العاشرة أنها داعم للمقاومة بعد عملية "الوهم المتبدد" التي نتج عنها أسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، وعندها صب الاحتلال جام غضبه على قطاع غزة، وشن عدّة حروب على القطاع لاستئصال شأفة هذه الحركة التي أرغمت عدوّها على تبادل تاريخيّ للأسرى، إضافة إلى حصار إسرائيليّ وعربيّ ودوليّ لا يُرفع إلا بقبول شروط الرباعية الدولية، التي على رأسها الاعتراف بكيان الاحتلال ونزع سلاح حماس وباقي الفصائل في قطاع غزة، ومن هنا حماس تعلم أنّ طريق رخاء غزة وسكانها هو في سلوك طريق نزع الأظفار، ولكنها تعلم أنّ ذلك الأمر هو نهايتها حركة تميزت على مدار هذا العمر المديد ببأسها وقوة الحق الذي آمنت به، وهي تعلم أنّها في اللحظة التي ستصبح فيها نسخة أخرى لحركة فتح ستندثر وينتهي ظلّها، وهي اتعظت بمن قبلها، الذي سلك طريقًا محفوفًا بالورود ولكنّ السمّ الزعاف يتقاطر من رحيقه.
لقد تعاظمت قوة حماس فأصبح لها جيش يصمد أمام عدوّه ويجعله يفكر كثيرًا قبل أن ينازله، وأصبحت حماس عصيّة على الذوبان والتلاشي، ويدرك عدوّها أنّ هزيمتها تكمن في ترويض فكرها لقبول الاحتلال والتعايش معه، ولذلك هو يلجأ إلى حصارها مع من تلتقي مصالحه من بني الجلدةِ، ويرسل بين الفينة والأخرى رسائل المغريات بالسماح بإقامة مطار وميناء مقابل أن تقبل هي بوجوده واحتلاله، ولكنّ حماس كما أعلن قادتها غير مرّة ترى ذلك حقًّا لا منّة، معلنة أنّها هي هي التي عرفها جمهورها قبل (29) عامًا ما تغيرت ولا هادنت، ولن تفعل إلا ما آمنت به لمصلحة شعبها وعدالة قضيته وقوة بأسه، رائدها في ذلك قول الشاعر:
ما قوةٌ في الأرض أقوى من إرادة ينحني المجدُ لمن منّا أراده