في مجتمعنا الفلسطيني كل حسب علمه وفهمه ومستواه الثقافي والعلمي يحاول تقوية وتعزيز صوابية رأيه وموقفه، باستعراض أدلة منطقية وواقعية على صحة بوصلته ودقة برنامجه، وعدم صحة طريق الآخرين وبرامجهم.
يمكن في حالة حسنت النوايا بالكلمة الطيبة، والعمل الصالح، وبمنطق أقوى من منطق الآخرين أن يصل المرء إلى النتيجة الصحيحة في حالة اختلطت عليه الأمور وأشكلت، فمثلًا في مجزرة الروضة إن تفكر من المستفيد تعرفه دون عناء أو إجهاد.
من يعطل العقل والفكر والتبصر بحكمة وروية، ويصدر الحكم المتسرع والعاطفي على الأشياء ومختلف الأمور، دون تدبر وصبر؛ فإنه يخسر لا محالة، كحال السياسي الفلسطيني وغيره، الذي يخرج بتصريحات مثيرة محبطة للشارع، بحجة أن السياسة لا يوجد فيها عواطف ويجب مصارحة الشعب، في مكر ودهاء مفضوحين.
من لا يؤيد سرعة المصالحة، والتنازل لأخيه؛ فهو بذلك قدم هدية لمن يعادون القضية الفلسطينية وطموحات الشعب، فمن ينظر إليك بعين واحدة فانظر إليه بعينين، حتى تفوت الفرصة على الأعداء، ونسير في الركب الصحيح.
العقل نعمة كبرى، فإذا كانت نعمة الإيمان هي أعظم نعم الله علينا؛ فالنعمة التي تليها هي نعمة العقل الواعي الفاحص المتأمل، ودون نعمة العقل لا نقدر على فهم الأمور، بل سرعان ما تنحرف بنا الأهواء ونزيغ عن الحق، إن استبدلنا بنعمة العقل الأهواء، ومن هنا إن رجاحة العقل تقول: ثمن المصالحة أقل بكثير من ثمن الانقسام، فالتشرذم وهدر الطاقات يعطلان المسيرة ويحرفان البوصلة، فالنتيجة هي مصالحة ولا شيء غيرها.
في حال تعطيل العقل والفكر المستنير، والاستجابة للضغوط الخارجية سيفتقد المجتمع الفلسطيني الرؤية الصحيحة، وسيتعامل بفهم جامد ومغلق مع القضايا المستجدة بتلقائية، وبردود أفعال عاطفية وغير مدروسة، غير محسوبة العواقب ولا النتائج التي قد تكون مدمرة عدة سنوات، وهذا لا يصح بالمطلق.
كلما كان الفرد الفلسطيني والمجتمع عمومًا أكثر وعيًا، وأكثر فهمًا وفكرًا؛ كانت أية قضية مستجدة الجواب بشأنها جاهزًا بلا تردد، ومن هنا إن كل من يعطل المصالحة، أو يصرح تصريحًا محبطًا بشأنها، وأيًّا كان من يقف خلف ذلك، وأيًّا كانت دوافعه؛ فإنه خرج عن الاستخدام الأمثل للعقل والفكر والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
حرف البوصلة باتجاه قضايا ثانوية وتناقضات فرعية لا يصح فلسطينيًّا، ويجب توجيه البوصلة دومًا نحو التناقض الرئيس، للأخذ بزمام المبادرة، وإلا فإن الأعداء يتربصون بكل خطأ يقع ليستغلوه على حساب معاناة الشعب الفلسطيني، ومن هنا يجب الاعتبار والاتعاظ، وعدم تكرار الأخطاء وخاصة الانقسام المؤلم.
أخطر الأمور هو فقدان البوصلة، وتوجيهها الصحيح مطلوب دون توقف، فهي التي تجعل الإنسان قادرًا على إحداث التوازن بين قدراته المادية وطاقاته الجسمانية والذهنية والعاطفية والوجدانية والانفعالية، فيصبح منسجمًا مع ذاته وهادئًا مطمئنًا، وراغبًا في رؤية ذاته تشع عطاء في عالم يتقدم، وهذا لم يحصل فلسطينيًّا إلا في حالة المقاومة، التي تقدمت وأصبح الاحتلال يحسب لها ألف حساب.