هل جاء القرار الأمريكي بعدم تجديد ترخيص مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن مرتبطًا بنوايا المنظمة التوجه لمحكمة الجنايات الدولية لمقاضاة (إسرائيل)، أم تمهيدًا لخطة تسوية يقال إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتزم طرحها قريبًا؟ أم لكليهما معا؟
وإذا كان السؤال مطروحا عن مدى قدرة السلطة على مواجهة فعلية للتأثيرات المحتملة لقرار البيت الأبيض؟ فإن مراقبين يتساءلون: أليست السلطة ومنظمة التحرير اللتان تعترفان بـ(إسرائيل) دون اعتراف الأخيرة بدولة فلسطين، هما مَن شجّع الإدارة الأمريكية لابتزازهما، عبر تبنيهما مسار التسوية والمراهنة على دور أمريكي من المعروف أنه منحاز للكيان الإسرائيلي الذي يسابق الزمن في مسار الاحتلال والاستيطان غير المتناهي؟
وبينما كشفت القناة 12 الإسرائيلية، أول من أمس، عما قالت إنها المبادئ الأولى لخطة ترامب للتسوية، تسلم مكتب منظمة التحرير في العاصمة الأمريكية بلاغا بعدم تجديد ترخيصه بذرائع قانونية تتعلق بالتوجه لمحكمة الجنايات الدولية، ولوّح أمين سر المنظمة صائب عريقات في تصريحات إعلامية، بتعليق الاتصالات مع واشنطن.
"الابتزاز"
وردا على سؤال صحيفة "فلسطين": لماذا لا يحظى مكتب منظمة التحرير في واشنطن بترخيص دائم؟ يجيب الخبير في الشؤون الأمريكية ورئيس مؤسسة مكافحة الصهيونية د.إبراهيم علوش، بأن الولايات المتحدة تستخدم هذا الموضوع "للابتزاز السياسي".
ويضيف لصحيفة "فلسطين": "هذا جزء من عملية ابتزاز السلطة في المسار الذي قررت أن تسير فيه. هناك ضغوط عليها لكي تخفض من سقفها المنخفض أصلا أكثر فأكثر، وبالتالي عندما طُرح الذهاب لمحكمة الجنايات الدولية أصبح ملف ممثلية المنظمة مسألة خاضعة للابتزاز".
ويعتقد علوش، أن السلطة تعاني من "أزمة نهج سياسي يعتقد أن العمل السياسي هو العمل الدبلوماسي، وأنه يكون على حساب المقاومة بكل أشكالها وعلى رأسها الكفاح المسلح الذي لا يمكن تحرير فلسطين من دونه".
ويتابع بأن السلطة اعتقدت أن بإمكانها السير قدما في الحصول على "ما يشبه الدولة على أجزاء من فلسطين" من خلال خطب ود الغرب ومحاولة الحصول على موافقته بتوقيع الاتفاقات مع الاحتلال الإسرائيلي والتنسيق الأمني مع الأخير في الضفة الغربية.
ويوضح علوش أن واشنطن عرفت من أين يمكن لَي ذراع منظمة التحرير وقيادتها لأن الأخيرة تعتقد منذ عقود أن فتح سفارات ومكاتب تمثيل لها وللسلطة في هذا البلد أو ذاك بمثابة "انتصار عظيم جدا ونافذة للحصول على اعتراف دولي، يمكنها من الجلوس على طاولة المفاوضات من موقع أفضل".
خطوة استباقية
ويربط بين القرار الأمريكي بشأن المنظمة وتلويح الأخيرة بالتوجه لمحكمة الجنايات الدولية لمقاضاة (إسرائيل) في قضايا معينة ذات علاقة بقطاع غزة والاستيطان في الضفة الغربية، مؤكدا أن عدم تجديد ترخيص مكتب المنظمة "خطوة استباقية إجهاضية لأن الكيان الصهيوني لا يحتمل حتى أن يُطرح موضوع مقاضاته وإنْ كان مسيطرا على مثل تلك الهيئات ويستطيع التحكم بمخرجاتها من خلال نفوذه عبر المحافل الدولية ونفوذ الدول الغربية المعادية للشعب العربي".
وبشأن تأثيرات القرار الأمريكي، يقول إنه يؤثر على "القيادة المتنفذة في المنظمة والسلطة لكنه لا يمس المقاومين في الميدان الذين لا يعولون على مثل هذه الترهات كثيرا، بل يعولون على التضحيات وأعمال المقاومة"، وفق قوله.
أما الدعم السياسي والاقتصادي الأمريكي للسلطة، فهو دائما "مشروط من الناحية السياسية" –والكلام لا يزال للخبير في الشؤون الأمريكية- قائلا: "حتى المنظمات شبه المستقلة والجمعيات التي تقدم دعما للسلطة تشترط ألا يذهب الدعم لعائلات المقاومين وأولادهم وبيوتهم، بل إن هناك شروطا سياسية تتعلق أيضًا بطريقة إدارة السلطة حتى في النواحي المتعلقة بالمنهاج التعليمي وتغيير ثقافة المجتمع الفلسطيني".
رؤية ترامب ليكودية
ولا يربط علوش بين الخطة التي تناولت القناة 12 العبرية مبادئها العامة التي لا تقوم بالضرورة على حدود 1967، وقد تتضمن تبادل أراض، والإبقاء على المستوطنات، وبين القرار الأمريكي بشأن المنظمة.
ويفسر: "ما تم تسريبه من خطوات أمريكية لعقد ما يسمى صفقة القرن حسبما رشح تقوم على تطبيع شامل رسمي إسلامي وعربي على أساس المبادرة العربية مع الكيان الصهيوني مقابل ما يشبه الدولة في أجزاء من فلسطين. وإذا أرادوا (الولايات المتحدة) مثل هذا الأمر فلا شك أن الخطوة الأولى لا تبدأ بإغلاق مكتب المنظمة بل بتعزيز العلاقة معه لكسب ود الأخيرة".
ويؤكد علوش، أن رؤية ترامب للتسوية "هي الرؤية الليكودية" في إشارة إلى حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وتتلخص في السماح بشيء من الحياة الطبيعية للشعب الفلسطيني، مقابل تقديم السلطة "تنازلات سياسية".
ويطرح سؤالا عما إذا كانت الظروف العربية نضجت لفرض "حل صهيوني" على المنطقة؟ مبينا أن تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي الأمريكي "يتطلب إضعاف المنطقة وتفكيكها وتجريدها من قوى المقاومة لكي تذعن للرغبة الصهيونية".
لكنه يعتقد أن المنطقة غير مهيأة لفرض هذه الرؤية الإسرائيلية، قائلا إن سلطات الاحتلال فشلت مرارا وتكرارا في القضاء على قوى المقاومة.
ويرى أن الترويج لوجود مشروع أمريكي، لحل القضية الفلسطينية هو "لتغذية أوهام التسوية عند المزيد من الفلسطينيين والعرب والمسلمين"، وإشغال الشعوب بها.
وينفي علوش أن تكون واشنطن و(إسرائيل) تريدان حقا الوصول لنتيجة نهائية، مؤكدا أن هدفهما إشغال السلطة بمفاوضات "عبثية ولا نهائية ومشاريع فارغة"، من بينها التلاعب بقضية الاستيطان لإبقائه في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلتين.
موقف السلطة والمنظمة
في المقابل، يتساءل أستاذ العلوم السياسية د.عبد الستار قاسم، عما إذا كانت منظمة التحرير "ستتعظ" بهذه القرارات والإجراءات الأمريكية أم لا؟.
ويضيف قاسم لصحيفة "فلسطين": "أمريكا موقفها معروف، وهو معاداة الشعب الفلسطيني وتقديم كل أنواع الدعم للكيان الصهيوني من أجل النيل من الشعب الفلسطيني. هذا هو الموقف الأمريكي منذ 1948م حتى الآن".
ويتابع: "رغم كل التجارب التاريخية مازلنا نظن أن أمريكا يمكن أن تكون وسيطا، وأن تنتقل من قائمة الأعداء إلى الوسطاء، وهذه جريمة بحق شعبنا"، مردفا: "السياسة التي اتبعتها منظمة التحرير من الأساس أساءت لنا ولقضيتنا".
وعن إمكانية قطع الدعم المالي الأمريكي للسلطة، يقول قاسم: "هذا الدعم المالي يسيء لنا لأنه يعوِّد الشعب على الاعتماد على الآخرين في لقمة الخبز ومن يعتمد على الآخرين في ذلك يفقد إرادته السياسية".
ويعتقد أن التلويح بتعليق الاتصالات بواشنطن "تصريحات إعلامية بدون تنفيذ"، معتبرا أن السلطة "لن تصنع شيئا".
وفي ملف "الجنائية الدولية"، يرى قاسم أنه "لا توجد جدية" بالتوجه للمحكمة، قائلا إن من المفترض أن السلطة توجهت إليها منذ سنوات.
وعما إذا كانت التحركات الأمريكية الإسرائيلية تعني إعلان وفاة ما يعرف بـ"حل الدولتين" ومبادرة التسوية العربية، يجيب: "هي ميتة منذ زمن. نحن بسبب عجزنا دائما نلجأ لتقديم مبادرات، العربية والفلسطينية وإلى آخره، ولا يكترث الأعداء بها، لأنهم يعرفون أننا لا نمتلك القدرة على تنفيذ ما نطرح".
(إسرائيل) "شرطي أمريكي"
من جهته، يؤكد المتخصص في شؤون الاحتلال الإسرائيلي نظير مجلي، أن الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب تتبع أسلوبا فيه تأثرا واضحا بقوى اليمين الأمريكية التي تساند (إسرائيل) وتعزز مكانتها كشرطي أمريكي في الشرق الأوسط.
ويوضح مجلي لصحيفة "فلسطين"، فيما يتعلق بوجود خطة أمريكية للتسوية، أن كل ما يتم نشره حول ذلك "بالونات اختبار تجس نبض الشارع لمعرفة كيف سيتعامل معها من جهة، وللحفاظ على الصوت الأمريكي في وجه القيادة الفلسطينية من جهة ثانية".
ويشير إلى أن ما يتم تداوله حول خطة هو جزء من مفاوضات "جرت حتى الآن بشكل صريح "بين الأطراف ذات العلاقة بالتسوية، قائلا إن قيادة الاحتلال والسلطة الفلسطينية "تعرفان إلى أين يذهب اتجاه الريح وكل منهما تحاول التأثير في الموقف الأمريكي".
لكنه يرى أنه "لا توجد خطة حتى الآن"، وأن ثمة محاولات للتأثير خلال إعدادها عبر التسريبات والتعليق عليها.