فلسطين أون لاين

أبو عبيدة وفصل الخطاب؟!

شكّل أبو عبيدة نموذجًا فريدًا، خاصة في خطابه الذي جاء بليغًا، قويًّا، جميل الشكل، عميق الروح، يحمل المعنى على أجنحة اللغة البديعة. ولا شكّ أن المحتوى مجهودٌ جماعي، ولكن للرجل دوره المركزي وقدرته العالية على الانسجام مع الفريق، ثم أن يكون الواجهة الرائعة له.
نستطيع القول بأن خطاب أبي عبيدة، الناطق العسكري لكتائب عز الدين القسام، قد تحقّقت فيه شروط فصل الخطاب أيّما تحقّق، ويغني عن آلاف الخطب والخطباء؛ حتى إذا أطلّ على الناس كان كالشمس عندما تشرق فتختفي كل نجوم السماء. وقد أشرقت له قلوب الناس كثيرًا عبر شاشات التلفزة، ليروي ظمأها ويوصل رسائله بكل حنكة وبراعة وذكاء:

• كان خطابًا حاسمًا، قاطعًا، سريعًا، واضحًا، جليًّا؛ يبلسم جراح الحرب، ويزرع في القلوب طمأنينة تهدهد ضجيجها وتخفّف من اضطراب لوعتها. يأتي خطاب أبي عبيدة روحًا تسري في عروقنا، ويأتي كنطّاسٍ بارع يقوم بعملية جراحية دقيقة، يستلّ قلب السردية الإسرائيلية البائسة من عمق الوجود، ويزرع قلبًا نابضًا يمثّل نبض المقاومة الفلسطينية الصادق.

• يأتي غنيًّا، قويًّا، شاملًا، مرتفعًا، ساميًا؛ يصيب الأهداف المطلوبة بدقّة في سياق شديد الحساسية، يغطّي المعركة، ويرسم المشهد، ويستحضر الإمكانيات والقدرات والفعاليات التي تؤكّد صمود المقاومة وثباتها وقدرتها على مواصلة الطريق بكل عنفوان واقتدار.

• ويوجّه سهامه إلى المجتمع الإسرائيلي بما يكشف نذرًا يسيرًا مما يجري في الميدان، وبما يشير إلى حجم الخسارة البشرية في صفوف جنود جيشهم، وبهذا يوجّه ضربة معلّم في حلبة صراع شديدة الحساسية داخل ملعب الاحتلال.

• خطاب يصيب بأسهمه أهدافًا متعدّدة في وقت قصير؛ خاطف وسريع، ويشنّ حربًا نفسية هادئة، قويّة، واثقة، حطّم فيها قواعد حربهم النفسية بكل جسارة وبراعة.

• ثمّ يقدّم تلخيصًا للمطلوب العملي بنقاط محدّدة وفق أولوياتها، ووفق وقتٍ مرسوم بدقّة متناهية، أجاب فيها عن أسئلة كثيرة تدور في الأذهان وتُطرح في أروقة التحليل السياسي.

• أمّا لغة الخطاب فهي اللغة البارعة التي يفهمها الجميع ويفهم المراد منها، دون بساطة يُستهان بها، ولا قوّةٍ معقّدة تُغلق الفهم دونها؛ وسطية سهلة يستعذبها السامع، ويصل مرادها بسلاسة ويُسر وبلاغة وعمق.

• ويتمتّع خطاب أبي عبيدة أيضًا بنفَسٍ وحدويّ، يجمع ولا يفرّق، وينصف ولا ينقص أحدًا حقّه.

• هزّ الأمّة قادةً وأحزابًا ونخبًا، وهزّ جذع نخوتها، ووضعها أمام المرآة، وأراها حقيقة خذلانها، ووضعها في موضع الخصومة أمام أطفال غزّة وجوعهم وذبح نسائهم.

• كان خطابًا عميقًا، قويًّا، جريئًا، صارخًا، مدوّيًا؛ زلزالًا مذهلًا عبّر عن كتائب سطّرت أعظم أشكال البطولة، وعن شعب سطّر أعظم أشكال الصبر والثبات والتضحيات الجسام. خطاب يُحفظ في سجلّ من يصنع التاريخ بأنصع صفحاته المشرقة، خطاب ثلّةٍ واجهت كل قوى شرّ العالم؛ واجهوا الصهيونية بوجهها النازي المتحالفة مع الصليبية الإمبريالية وكل قوى الاستكبار مجتمعة، ثبات القلّة مع داود عليه السلام في مواجهة جالوت العصر وعرباته التوراتية العنصرية الحاقدة.

فصل الخطاب يتحوّل إلى حجارة داود، وهي تطارد عربات النتن المتهالكة.

فصل خطاب أبي عبيدة يتحوّل إلى مدرسة في إعداد المحتوى، ومدرسة في الإلقاء، ومدرسة في السياسة وصياغة الرأي العام ومخاطبة الجماهير.

هذا شيء من فصل الخطاب الذي يحوي جمال اللغة وقوّة المحتوى؛ رسائل تطرق جدران القلوب وتزلزلها من أعماقها.

المصدر / فلسطين أون لاين