لا يختلف فلسطينيان بأن حالة الضعف التي تعيشها القضية الفلسطينية اليوم، ناتجة عن التفرد السياسي للسلطة وحركة "فتح" بالقضية الفلسطينية منذ خمسة عقود خلت، تخللها توقيع اتفاق "أوسلو" مع الاحتلال عام 1993م، الذي مثل كارثة للفلسطينيين، لكن مع توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس برعاية مصرية في 12 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، كان أحد ركائزه الحديث عن الشراكة السياسية والوصول لبرنامج واستراتيجية وطنية لمواجهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي.
ليبقى السؤال الأهم هنا: هل السلطة وحركة فتح جاهزة ومستعدة للشراكة السياسية مع باقي الفصائل الفلسطينية خاصة حركة حماس؟، خاصة عشية اللقاء المرتقب بين الفصائل في 21 نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري في القاهرة.
مبدأ الشراكة
عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين محمود خلف، بين أن غياب الشراكة والإقصاء يؤدي إلى التفرد في قرار إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني "وهذه المسألة لا تستوي مع مفاهيم الديمقراطية والتعددية السياسية والمشاركة في حمل الهم الوطني الفلسطيني".
وأضاف: "موضوع الشراكة يعني وضع استراتيجية سياسية موحدة لشعبنا الفلسطيني، والتصدي لكل التحديات التي يمارسها الاحتلال ضدنا، ومشاركة الجميع في تحمل المسؤوليات السياسية والوطنية كل حسب قدرته وإمكانياته على قاعدة شركاء بالدم شركاء بالقرار".
وشدد على ضرورة، إصلاح النظام الفلسطيني "فلا يصح لأحد إجراء مفاوضات سياسية بغرف مغلقة" كما جرى باتفاق أوسلو، الذي أحدث شرخا عميقا في النظام السياسي والمؤسسات الفلسطينية.
ومن أمثلة التفرد بالقرار، وفق خلف، سعي متنفذين في السلطة ومنظمة التحرير إلى فرض قرار سياسي على اللجنة التنفيذية للمنظمة بشكل غير ديمقراطي "وباتت اللجنة التنفيذية التي من المفترض أن قراراتها شورية، تحت سيطرة قوى تعددية تفرض قراراتها وفق مصالح شخصية"، في إشارة منه إلى حركة فتح.
والمطلوب وفق عضو اللجنة المركزية للديمقراطية، الإقرار بمبدأ الشراكة والاتفاق عليه، بألا يتحمل طرف مسؤولية القضية بعيدا عن الآخرين، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية على أساس قانون التمثيل النسبي، وإجراء انتخابات المجلس الوطني، باعتبار أن صندوق الاقتراع بهذه الطريقة "لا يدع مجالا لتفرد طرف على حسب الآخر".
استفراد
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية د. وليد المدلل من ناحيته يقول": "إن الاستمرار بالتفرد السياسي غير مقبول، والاستمرار فيه يعني المزيد من التدهور في الحالة الفلسطينية التي وصلت إلى حد يطالب فيه فصيل فلسطيني (فتح) من فصيل آخر (حماس) نزع سلاح المقاومة كشرط لتحقيق المصالحة الفلسطينية"، معتبرا ذلك محاولة غير نزيهة، يجب التوقف عنها باعتبار "سلاح المقاومة شرف للوطن".
وأضاف المدلل لصحيفة "فلسطين": "بأن حركة "فتح" منذ أن قادت منظمة التحرير الفلسطينية، اعتبرت المنظمة حق مكتسب لا يمكن التنازل عنه، وهو أحد الخطايا التي ارتكبتها "فتح" بالمرحلة السابقة وما زالت لا تعترف حتى اللحظة بالآخرين، بتنكرها بحقوق الأطراف الأخرى في إدارة الشأن العام الفلسطيني.
وشدد المدلل على خطورة استمرار الاستفراد، في ظل غياب الجهات الرقابية كعدم تفعيل المجلس التشريعي، موضحا أن "الشراكة السياسية تعني الاعتراف بكل القوى الموجودة بغض النظر عن انتماءاتها وشبكة علاقاتها، وان يشارك الجميع في تحمل المسؤولية دون استثناء".
والمسألة الأخرى، تبعا لكلام المدلل، الاعتراف بالطرف الآخر وعدم التنكر به، وكذلك احترام صناديق الانتخابات، مستبعدا أن تقوم السلطة بالتوجه نحو الشراكة السياسية، ولا سيما أنه "تتعامل مع ذاتها بأنها الوريث للقضية الفلسطينية، وأن بقية القوى عبارة عن جهات اجتماعية".
ورأى الأكاديمي في الجامعة الإسلامية، أن هناك حالة واحدة يمكن أن يحدث فيها شراكة سياسية، "بأن يكون هناك ضغوط إقليمية تطالب تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الكل الفلسطيني لوقف تدهور الحالة الفلسطينية".
واستدرك المدلل: "لا يجب للقوى السياسية أن تبقى صامتة تجاه استفراد طرف على حساب طرف أخر، خاصة بعد ما قدمت حركة حماس تسهيلات كبيرة لإنجاح المصالحة، فيما لم تقدم حركة "فتح" أي بوارد لتعزيز الثقة بينها وبين الأطراف الفلسطينية كافة، بل وتتذرع بمسألة تمكين الحكومة، رغم أنه لا أحد يقف عائقا أمام تمكينها".
وأشار في السياق ذاته، إلى أن الاستيطان الإسرائيلي الذي نهش أراضي الضفة المحتلة، هو أحد آثار "أوسلو"، وهو نتيجة للتفرد السياسي لحركة "فتح".
الالتقاء والاختلاف
ومن وجهة نظر المحلل السياسي هاني البسوس، ثمة عدة نقاط يمكن للحركتين الالتقاء عليها وتحقيق شراكة سياسية، أولها الوطن الذي يجمع الكل الفلسطيني، والواجبات والمسؤوليات تجاه المواطنين، باعتبار أن كلا الحركتين تسعيان لإقامة الدولة المستقلة.
وذكر البسوس لصحيفة "فلسطين" أن نقاط الاختلاف تتمثل أولها الفكر السياسي المختلف لدى الحركتين، والمسألة الثانية العلاقات الإقليمية "فحماس لها علاقات إقليمية مختلفة مع الأطراف التي تدعم حركة فتح، مما يجعل التدخلات الإقليمية في القضية الفلسطينية واضحة".
وأشار إلى أن القضية الثالثة، وفق البسوس، أن "فتح لها قبول بين دول الرباعية الدولية، التي معظمها لا تتعامل مع حماس، نظرا لمقاومتها للاحتلال".
وفي السياق ذاته، رأى البسوس أن الكثير من الشخصيات السياسية في حركة "فتح" غير معنية بالشراكة السياسية في ظل اختلاف الأيدولوجية السياسية مع "حماس"، بذريعة التخوف من التدخلات الإقليمية والدولية، باعتبار "أن الدول العظمى تنظر لحماس كفصيل مقاوم للاحتلال".