فلسطين أون لاين

"المنطقة الصفراء".. حدود جديدة أم تكريس لاحتلال دائم في غزة؟

...
المنطقة الصفراء، وهي شريط أمني عازل تمتد شمالاً وجنوباً على طول الحدود الشرقية للقطاع
غزة/ نور الدين صالح:

أثار تصريح رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، باعتبار ما تُعرف بـ"المنطقة الصفراء" خط حدود جديد لقطاع غزة، موجة من الغضب والتساؤلات حول النوايا الحقيقية لحكومة الاحتلال، وما إذا كان هذا الإعلان يمثل مقدمة لترسيم حدود جديدة تكرّس واقعاً احتلالياً طويل الأمد، في وقتٍ تحاول فيه (إسرائيل) إعادة هندسة المشهد الجغرافي والسياسي في القطاع بعد عامين من حرب الابادة.

وكان زامير، قال خلال جولة تقييم ميداني أجراها أول من أمس في قطاع غزة، إن "الخط الأصفر" الذي يقسّم القطاع إلى منطقة تحت السيطرة الفلسطينية وأخرى تحت السيطرة الإسرائيلية بات يشكّل "حدوداً جديدة، وخط دفاع متقدما عن المستوطنات، وخطاً هجومياً في الوقت نفسه".

المنطقة الصفراء، وهي شريط أمني عازل تمتد شمالاً وجنوباً على طول الحدود الشرقية للقطاع بعرض يتراوح بين 2 إلى 6 كيلومترات، كانت تُستخدم تقليدياً كمنطقة "محظورة" تُمنع فيها الحركة الفلسطينية، إلا أن تصريحات زامير الأخيرة تتجاوز الطابع الأمني، لتمنحها بُعداً سياسياً جديداً باعتبارها "حدود دولة الاحتلال" تجاه غزة، في إشارة إلى نية (إسرائيل) فرض أمرٍ واقع على الأرض بعد الحرب.

ويرى فتحي بوزية، المختص في الشأن الإسرائيلي، أن ما قاله زامير يعكس طبيعة حكومة الاحتلال الحالية التي لا فرق بين أذرعها السياسية والعسكرية، "فكلها يمين متطرف لا يردعه لا مسلمين ولا عرب ولا حتى قادة أوروبيين أو أمريكيين"، على حد تعبيره.

ويقول بوزية لصحيفة "فلسطين": "مطالب نتنياهو وزمرته تتدحرج مثل كرة الثلج، وكلما فشلوا في تحقيق إنجاز عسكري أو سياسي، رفعوا سقف تصريحاتهم لاستفزاز الفلسطينيين والعالم".

ويعتبر بوزية أن هذا التصريح جزء من سياسة الهروب إلى الأمام، بعد أن فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب، سواء عبر القضاء على المقاومة أو تهجير سكان غزة. فبدلاً من الانسحاب، يقوم الاحتلال بعمليات هدم وتدمير في المناطق التي يسيطر عليها، محاولاً خلق واقع جديد يفرضه كـ"حدود سياسية وأمنية" بحكم الأمر الواقع.

ورغم ما يبدو من جدية في لهجة زامير، إلا أن بوزية يعتقد أن هذه التصريحات تقع في إطار الحرب النفسية التي تمارسها حكومة الاحتلال لتثبيط معنويات الفلسطينيين ولإيصال رسالة للمجتمع الدولي بأنها باقية على الأرض.

ويضيف: "نتنياهو وزامير يعلمان جيداً أن (إسرائيل) لن تستطيع البقاء في غزة، لكنهم يستخدمون هذا الخطاب لانتزاع مكاسب سياسية من الوسطاء، وللضغط على المقاومة في أي مفاوضات قادمة".

ويرى أن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في التصريحات، بل في الصمت العربي والدولي إزاء هذه التحركات، داعياً الوسطاء وخاصة مصر وقطر والولايات المتحدة إلى رفع "الكرت الأحمر" في وجه حكومة الاحتلال قبل أن تفرض واقعاً جديداً يصعب التراجع عنه.

من جانبه، يذهب الخبير في الشأن الإسرائيلي د. عمر جعارة إلى أبعد من ذلك، إذ يرى في تصريحات زامير محاولة واضحة لشرعنة التوسع الإسرائيلي داخل أراضي القطاع.

ويقول جعارة لـ "فلسطين": "نتنياهو نفسه أعلن أن الخط الأصفر هو الحدود الجديدة لدولة الاحتلال، أي أن إسرائيل توسعت بنسبة 53% من مساحة قطاع غزة، لتبقي فقط 47% من الأرض لسكانها الأصليين".

ويشير جعارة إلى أن الخلاف داخل حكومة الاحتلال، خصوصاً بين كاتس وزامير، لا يلغي جوهر الاتفاق على الهدف الاستراتيجي، وهو فرض واقع احتلالي جديد بدعم أمريكي ضمني.

ويضيف: "الاحتلال يتحرك لأن الموقف الأمريكي غير واضح في القضايا الجوهرية، وهذا الغموض يشجع (إسرائيل) على اختبار ردود الفعل عبر تصريحات متطرفة".

ويرى جعارة أن القضية لم تعد إسرائيلية خالصة، بل أمريكية – عربية في جوهرها، قائلاً: "(إسرائيل) لا تملك شيئاً لولا الولايات المتحدة، وإذا لم يدرك العرب ذلك فهم إما جاهلون بالسياسة أو خدم منخفضو القامة في النظام الأمريكي".

ويؤكد أنه يجب على الوسطاء أن يمارسوا ضغطاً فعلياً على واشنطن، وليس الاكتفاء بالتحركات البروتوكولية، مشدداً على أن أي تسوية قادمة لن تكون عادلة ما لم تتوقف واشنطن عن دعم الاحتلال في محاولاته لتقويض القضية الفلسطينية.

ومن الواضح أن (إسرائيل) تحاول تحويل نتائج الحرب إلى مكاسب جغرافية وسياسية دائمة، مستغلة الغطاء الأمريكي والصمت الدولي. فالحديث عن "حدود جديدة" ليس مجرد توصيف ميداني، بل مشروع لإعادة تعريف غزة جغرافياً وديموغرافياً، بحيث تبقى محاصرة ومقسّمة إلى مناطق أمنية تحت سيطرة إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة.

 

 

المصدر / فلسطين أون لاين