فلسطين أون لاين

توظيف 2.35 مليار شيكل في جبهة الوعي؟!

إن تخصيص 2.35 مليار شيكل من ميزانية الاحتلال لعام 2026 لما يسمّى جبهة الوعي وتحسين صورة الاحتلال عالميًا، ليس رقمًا عابرًا ولا قرارًا إداريًا عادياً، بل هو اعتراف صريح بأن معركة اليوم ليست فقط عسكرية أو سياسية، بل هي معركة رواية وصورة ووعي.
وهذا ما يؤكّد أن الاحتلال رغم امتلاكه أدوات القوة التقليدية، يدرك هشاشته في ميدان الحقيقة، وأنّ كلمة صادقة أو صورة مُخلِصة قد تُربك سرديته أكثر مما تفعل جيوشٌ كاملة.

فالأهمية هنا تعني أن علينا ألّا نستهين بجبهة التوعية للقضية الفلسطينية؛ فالمعركة مفتوحة، وأدواتها في يد الجميع: الكلمة، الفكرة، الصورة، الشهادة، والرواية الذاتية. كلّ هذه أدوات مقاومة ناعمة صحيح، لكن أثرها بالغ إذا انتظمت وتكاثفت بفعل تراكمي طويل. ويبدأ هذا كلّه باستشعار أهمية دورننا مهما بدا صغيرًا، لأن الغياب عن جبهة الوعي هو في الحقيقة فراغٌ يملؤه الاحتلال وخير هدية تسدى له، ويستثمره لتحويل الأنظار وتشويه الحقائق وترهيب الناس عن المشاركة.

ورغم الأموال الطائلة المرصودة، إلا أنّ الحقيقة تبقى عصيّة على التجميل؛ فجرائم الاحتلال لم تعد قابلة للإخفاء، والطوفان الأخير كشف وجهه للعالم كما لم يحدث من قبل.

وهذا كلّه يذكّر بمسؤولية الجماعة كما في القاعدة النبوية الجامعة:

"كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيّته".

ولذلك يأتي دور المثقفين، والمراكز الثقافية، والمساجد، والأئمّة، والمدرّسين، والجامعيين، وكلّ من يحمل قلمًا أو كلمة أو موهبة، ليؤدّي دوره في هذه الجبهة التي لا تقلّ أهمية عن أي ساحة أخرى.

وهذا يقودنا إلى أمرين مهمّين:

الأول: الارتقاء الواعي بمستوى الخطاب، ليكون عالميًا، منطقيًا، مؤثرًا، ومتماسكًا.

الثاني: إدراك خطورة التراجع أو الصمت أو ترك المساحة لغيرنا ليكتب روايتنا نيابة عنّا.

وإذا كان الجهدُ الإعلامي الإسرائيلي مدعومًا بميزانيات ضخمة، فالقوة الفلسطينية تكمن في الطاقة التطوعية الهائلة لشعب يمتد في كل العالم،وفي قدرة المبادرات الفردية على صنع التأثير. وهذا لا يمنع من ضرورة الاستثمار في مشاريع نوعية، خاصة الإنتاج الفني والإعلامي الاحترافي* الذي بات اليوم اللغة التي يفهمها العالم.

فنحن نملك قضية عادلة وقوية، لكنّنا نفتقر أحيانًا إلى من يعرف كيف يقدّم هذه القضية للعالم بأدوات عصرية ولغات مختلفة. أما هم، فيملكون رواية باطلة، لكنهم يدعمونها بمسوّقين محترفين وأموال طائلة.

وقد قال النبي ﷺ: "بلّغوا عني ولو آية؛ فربّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع".

وفي هذا توجيه واضح بأن التأثير لا يُقاس بضخامة الأدوات، بل بصدق الرسالة ووصولها.

وقد نجح رسول الله ﷺ في تحويل كل فرد يدخل الإسلام إلى حامل رسالة، ينقلها بفعله وقوله وسلوكه، لا بقوة السيف ولا الفتح العسكري، بل بقوة الفكرة والأخلاق والعدل.

إن شبكة التواصي بالحق والصبر التي نسجها الجيل الأول كانت أقوى من أي شبكة تواصل حديثة، لأنها اعتمدت على الإيمان بالرسالة والمسؤولية الفردية.

ويكفينا قوله تعالى: "الذين يُبلّغون رسالاتِ الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله".

المصدر / فلسطين أون لاين