فلسطين أون لاين

"خرائط، شاشات، وأسماء ساخرة".. هكذا تُراقب غزة من داخل غرفة عمليات "كريات غات"

...
صورة من داخل قاعدة أمريكية جنوب فلسطين المحتلة
ترجمة خاصة/ فلسطين أون لاين

أفادت صحيفة الغارديان البريطانية، نقلاً عن مصادر مطّلعة، بأن أجهزة أمن الاحتلال تجري عمليات مراقبة وتسجيل سرية داخل قاعدة أمريكية حديثة في جنوب فلسطين المحتلة، يُشرف عليها الجيش الأمريكي ضمن ما يعرف بـ مركز التنسيق المدني العسكري (CMCC).

وبحسب هذه المصادر، فإن حجم التسجيلات داخل المركز دفع قائد القاعدة الأمريكية الفريق باتريك فرانك إلى استدعاء مسؤول عسكري إسرائيلي وتحذيره بشكل مباشر من استمرار عمليات التصوير والتوثيق داخل المرفق.

كما عبّر موظفون وزوّار من دول أخرى عن مخاوف مشابهة، وتم التنبيه إلى تجنّب تبادل معلومات حساسة خشية استغلالها أمنيًا من قبل "إسرائيل".

ورغم امتناع وزارة الدفاع الأمريكية عن التعقيب على الاتهامات، سارع جيش الاحتلال إلى نفي ما ورد والقول إن الاجتماعات داخل المركز "غير سرية"، وإن تسجيلها يأتي في إطار توثيق مهني، معتبرًا الحديث عن تجسس على الشركاء "غير منطقي".

Screenshot 2025-12-08 181438.png
 

أُنشئ المركز في أكتوبر الماضي لمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة وتنسيق دخول المساعدات الإنسانية، إلى جانب إعداد تصور لإدارة القطاع في المرحلة المقبلة ضمن خطة ترامب ذات النقاط العشرين.

وعلى الرغم من تقارير تحدّثت عن تحول إدارة المعابر والمساعدات إلى أيدي العسكريين الأمريكيين، فإن مصادر أمريكية تؤكد أن السيطرة الفعلية على تدفق السلع والمساعدات ما تزال بيد الاحتلال، بينما يقتصر الدور الأمريكي على الدعم الفني واللوجستي.

ووفق المعلومات المنشورة، فقد أرسل الجيش الأمريكي خبراء في الإغاثة وإدارة الكوارث بهدف تسريع إدخال المساعدات، غير أن كثيرين منهم اصطدموا بالقيود الإسرائيلية المشددة التي عطلت تدفق المواد الإنسانية، ما دفع عددًا منهم لمغادرة مواقعهم بعد أسابيع قليلة.

ويؤكد دبلوماسيون أن نقاشات المركز ساهمت جزئيًا في تعديل قائمة المواد المصنفة "ثنائية الاستخدام"، لكن مواد أساسية كالأوراق وأقلام الكتابة لا تزال ممنوعة دون تفسير مقنع.

ورغم تعدد الجنسيات المشاركة داخل CMCC، والذي يضم المركز مخططين عسكريين من الولايات المتحدة و"إسرائيل" ودول حليفة بينها بريطانيا والإمارات. كما تمت دعوة دبلوماسيين ومنظمات إنسانية للمشاركة في مناقشات تتعلق بالقطاع ومستقبله، لكن الفلسطينيين مستبعدون بالكامل.

وأشارت الغارديان إلى عدم وجود أي ممثل للسلطة الفلسطينية أو المؤسسات المدنية أو الإنسانية داخل المركز، وتقول مصادر إن محاولات لإشراك فلسطينيين عبر الاتصال المرئي تم قطعها مرارًا من الجانب الإسرائيلي.

وتشير وثائق تخطيط عسكرية أمريكية — اطلعت عليها الغارديان — إلى تجنب تام لاستخدام كلمتي فلسطين أو الفلسطينيين، والاكتفاء بلفظ "غزاويين". وقدّم بنيامين نتنياهو المركز باعتباره مشروعًا ثنائيًا أمريكيًا-إسرائيليًا، دون الإشارة لأي أطراف أخرى.

ويقع المركز داخل مبنى صناعي بمنطقة "كريات غات" جنوب فلسطين المحتلة، حيث يشغل الأمريكيون والإسرائيليون طوابق منفصلة مع مكاتب لحلفاء آخرين.

ويصف دبلوماسيون المكان بأنه أشبه بغرفة عمليات بنَفَس "شركة تكنولوجية"، حيث تنتشر الخرائط الرقمية وشاشات الرصد، وتُدار الملفات بمسميات عملياتية ساخرة مثل "أربعاء الاستشفاء" لقطاع الصحة و"خميس العطش" لملف المياه والصرف الصحي، وسط خراب واسع حلّ بالبنية التحتية في غزة.

وبرغم المخاوف السياسية والقانونية من آلية عمل المركز، خاصة لجهة خلط العسكري بالإنساني واستبعاد الفلسطيني من تقرير مصيره، فإن دبلوماسيين وفرق إغاثة يقرّون أن غيابهم التام قد يترك مستقبل القطاع في يد الاحتلال والجنرالات الأمريكيين وحدهم، ما يضع المجتمع الدولي أمام معادلة صعبة: إما المشاركة المحدودة أو ترك القرار يُصاغ دون أي حضور فلسطيني.

وتشير معطيات الغارديان إلى أن دور المركز بدأ يتراجع مع عودة عدد كبير من العسكريين الأمريكيين لقاعدتهم الأصلية بعد انتهاء مهامهم، بينما تبقى معرفة ما إذا كانت الخطط التي صيغت داخله ستُنفذ أمرًا غير محسوم، خصوصًا في ظل إصرار "إسرائيل" على عدم الانتقال لأي مرحلة جديدة ما لم تُنزع قوة المقاومة في غزة بالكامل — وهو هدف فشل الاحتلال في تحقيقه رغم عامين من الحرب والحصار.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي قوله إن ما يجري اليوم لم يعد في الإطار العسكري، بل بات "ملفًا سياسيًا بامتياز".

المصدر / ترجمة فلسطين أون لاين