فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمَْبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }التوبة47

 

ها هو طوفان التحرير يجلجل كالصواعق في ليل أمتنا المثقل بالخنوع، فيكشف الزيف عن وجوه مسوّدة بالخذلان، وألسنة اعتادت أن تنفث سم الإرجاف والبهتان. في ساحات الدم والدمع، يُبعثر الطوفان أوراق المرتجفين، ويُطيح بأقنعة المنافقين الذين ما زالوا يتعلّقون بأستار الوهم، يرتجفون بين نار الخوف وسيف الفقر، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. لكن للحق رجالٌ إذا ما اشتد البلاء، ازدادوا ثباتًا، كأنهم الجبال، يؤمنون أن النصر وعد الله، وأن السقوط حتمي لكل من راهن على غير شعبه، وإن طال الزمن، فالله هو القائل: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ}.

طوفان تحرير فلسطين أظهر فريقًا من الناس عن قصد حسن، يستهويهم نقل الأخبار وإشاعة الأنباء دون تحقق من صدقها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: 6). والبعض يسعى لذلك قاصدًا إشاعة الفتنة: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُم} (النساء: 83)، {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} (التوبة: 47). هؤلاء وأولئك علينا الحذر منهم بالوعي والإيمان، فالحرب والاستئصال هم الذين يعدّ الفشل في هزيمة المقاومة شعارهم غير المعلن: {وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} (هود: 91).

طوفان تحرير فلسطين حسم الخيارات السياسية، ولكن هناك فريقًا ما زال يتلظّى بنيران الحيرة، ولم يحسم خياراته، وبقي معلّقًا بين خيارات التنسيق المذلّ التي لا يؤمن بها، وخيارات الشعب التي لا يستطيع الإقدام عليها. هؤلاء لا يؤمنون بقيادتهم ولا يملكون أمرًا أمام سيف الخوف والفقر المسلط على رقابهم: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ، لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ، وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} (النساء: 143). {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ، كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} (النساء: 91). وبذلك تعمّق سقوط الرهان مجددًا على فريق الهزيمة، الذي عليه أن يتطهر، وذلك إيذانًا بغروب شمسه نهائيًّا. انتهى هذا المشهد البائس الذليل، رغم سلوك حكومة المتطرفين الفاشية وعلى رأسها "النتن"، ومواصلة حرب الإبادة، ليكون ذلك مؤشرًا رئيسًا على نهاية وهم "السلام" الذي انتهى بأصحابه إلى العمل لدى المحتل، وسبحان الذي "يعز من يشاء ويذل من يشاء".

ومن كل ذلك، "لا تحزن"، هتاف الله تعالى لنبيه ﷺ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} (الحجر: 97). والله عز وجل يكشف له عن: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} (القلم: 11). والله تعالى يواسيه ﷺ: {يَحْزُنُكَ قَوْلُهُمْ} (يونس: 65). حيث لم يسلم شخص النبي ﷺ من أذى اللسان، حتى لاحقوه بحديث الإفك والبهتان على زوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. ولم ينفض هذا الموقف المحزن للنبي ﷺ والمؤذي له إلا الوحي بإعلان البراءة.

حذر النبي ﷺ من الإشاعة والبهتان والغيبة كثيرًا، لخطورتها على المجتمع ووحدته وتماسكه، خاصة في الأزمات والحروب. واليوم، في محرقة غزة، الإشاعات تضرب صمود أهلها وبطولتهم ومقاومتهم بكثرة القيل والقال، وخاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يسري الخبر كالنار في الهشيم دون تحقق من مصدره: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات: 6). والإشاعات والأراجيف تستهدف المسّ بشخصيات عامة ومؤثرة، لأن إسقاط الرمزية قاعدة وهدف رئيسي للعدو، وهذا ما كان يفعله المشركون ويهود مع النبي ﷺ. والاغتيال المعنوي استراتيجية الاحتلال وأذنابه في كل المحطات. ومن ذلك مثلًا، البهتان حول أبناء القادة، فضلًا عن القادة أنفسهم، بأنهم مثلًا فرّوا من الميدان، وأن أولادهم في الفنادق. ومن يتابع مشهد المحرقة، يدرك أن عددًا كبيرًا من شهدائها هم من القادة وأبناء القادة، والنماذج والشواهد على ذلك أكثر من أن تُحصى.

إن ملاحقة الإشاعة جزء رئيس من المعركة، وقطع دابرها مبكرًا يكون باعتماد الوضوح والصراحة مع الجمهور، وهذا ما فعله النبي ﷺ مع الصحابة حين رأوه مع زوجه فأسرعا، فقال لهم: "على رِسْلكما، إنها أمكم". ومن ثم، جاء توجيه الله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} (فاطر: 8).

طوفان تحرير فلسطين سينجلي غباره بملحمة تاريخية عظيمة، تقلب الطاولة، وتبعثر أوراق الاحتلال ورعاته ومن دار في فلكهم، بثبات شعبي أسطوري، وانتصار للدم على السيف، وللكف على المخرز، بقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139). وستبدأ الحشود في العمل من أجل الإعداد لإعمار غزة بأموال عربية! وسيخرج فريق النفاق ليقول إنه من المستحيل منح أموال الإعمار لغزة ورجالها كي يقودوا عملية الإعمار: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا} (المنافقون: 7).

المصدر / فلسطين أون لاين