يتبارى مسؤولو السلطة الفلسطينية في الحديث عما يسمونه اتفاقية المعابر 2005 ، بيد أن الحقيقة هي تفاهمات لم يوقع عليها أي طرف ، فلا يوجد شيء اسمه اتفاقية المعابر ، هذا ليس كلامي بل كلام رئيس بعثة المراقبة الأوروبية على معبر رفح خلال لقاء نظمته مؤسسة بالثينك للدراسات الإستراتيجية في غزة قبل سنوات وقال حرفيا: "لا يوجد اتفاق موقع من المعنيين، بل هو التزام جنتلمان " يعني تفاهم أدبي أخلاقي سمه ما شئت !!.
هذه التفاهمات بين السلطة و(إسرائيل) جاءت برعاية أمريكية بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة 2005 وذلك لفترة مؤقتة هي عام واحد بهدف تنظيم العلاقة بينهما لحين استلام السلطة المسؤولية كاملة ، وتشمل وجود الاتحاد الأوروبي لمراقبة تطبيق التفاهمات في معبر رفح ، لكن البعثة الأوروبية انسحبت من المعبر إبان أحداث الانقسام في حزيران 2007 ، وكانت تقوم بزيارته كل 6 أشهر آخرها قبل أسبوع .
مصر رغم أنها لم تكن جزءا من هذه التفاهمات لكنها تعاملت معها بإيجابية ، وشغلت المعبر استثنائيا في ظل أزمات الحصار المتفاقمة بعيدا عن هذه التفاهمات ، ولا أعتقد أنها سعيدة بالتمسك بتفاهمات المعابر .
البيئة والظروف التي تم التوصل فيها إلى هذه التفاهمات تجاوزها الواقع والتطورات السياسية ، وهي فرصة للسلطة الفلسطينية والدولة المصرية أن يكون المعبر منفذا مصريا فلسطينيا خالصا دون تدخل من "إسرائيل" أو غيرها ، ولا أعرف لماذا تصر السلطة على استدعاء الاحتلال إلى هذه التفاهمات غير الملزمة لأحد؟؟ ، بل وقصرها على معبر رفح فقط وتغفل باقي التفاهمات على أهميتها ما يمثل انتكاسة وطنية جديدة ، ويضع نحو مليوني فلسطيني رهينة للاحتلال !!
إن تمسك السلطة بتفاهمات 2005 لا أفهمه إلا في سياق تعميق التنسيق الأمني مع الاحتلال وبحثا عن التبعية لا السيادة كما يزعم البعض ، وعودة القوائم السوداء بمنع السفر سيما لأقطاب المقاومة الفلسطينية ، وقد عمل معبر رفح أكثر من 10 سنوات دون تدخل إسرائيلي أو أوروبي ، ويفترض أن يستمر كذلك معبرا مصريا فلسطينيا خالصا ، أما العودة إلى الرقابة الأوروبية ونصب كاميرات تنقل للاحتلال كل ما يجري على المعبر فهذا عمل غير وطني ويمثل خطرا على شعبنا وأمنه، وتحكم إسرائيلي غير مباشر بالمعبر ، وأخشى أن يكون استقواء من السلطة بالاحتلال على غزة وفصائل المقاومة فيها .
الكيان الإسرائيلي تجاهل الحديث عن تفاهمات 2005 عن دهاء فهو يدرك أنها لا تعالج فقط معبر رفح ، وإنما ترتبط بتشغيل الممر الآمن بين غزة والضفة وهو ما يعني بصورة أو أخرى وحدة جغرافية وتواصل بين الضفة وغزة ، وتشغيل المطار والميناء ، وتشغيل معبر رفح لتصدير البضائع ، وتشغيل معبر المنطار (كارني) ، وهو ما يضع " إسرائيل " في حرج لأن تلك التفاهمات إما أن تنفذ رزمة واحدة أو لا تنفذ برمتها، أما أن تتم بانتقائية لصالح الاحتلال فهذا مرفوض من كل وطني حر!! .
إن المصلحة الوطنية العليا لشعبنا تتطلب إبعاد الاحتلال عن معبر رفح ، وتجاوز تلك التفاهمات التي دفنتها "إسرائيل" بعدوانها المستمر على غزة والضفة والقدس ، والذهاب إلى وضع اتفاق أو تفاهمات جديدة مع الدولة المصرية على عمل المعبر دون تدخل من أي جهة أخرى مهما كانت باعتبار ذلك مسا بالسيادة الفلسطينية .